عبده الأسمري
وقفت -وسأظل- عند قول الله الحق -عز وجل- {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}. وجدت نفسي أمام «توجيه عظيم»، أسقط دموعي، وأخضع نفسي، وأهجع روحي.. كيف لنا أن نقف أمام هذا الحنان الرباني والإعجاز الإلهي في «تبيان» قولي، و»بيان» لفظي.. تدبرتُ الآية فتملكتني الحيرة أمام هذا «الخطاب»، وأوقفتني «البصيرة» حول ذلك «الجواب»..
ثلاث آيات، شكلت «دهراً» للثبات، و»مهراً» للإنصات.. بيّنات متعاقبات، اختصر فيها العزيز الحكيم اتجاهات «الخلق»، وأبعاد «الهدف»، وامتداد «العزة»، وعتاد «الرزق»، وسداد «الحكمة»..
مكثتُ بين ثنايا «الثناء»، وتوقفت وسط عطايا «العطاء»، وانبهرتُ أمام سجايا «السخاء»، فوجدت أننا كخلق في «دائرة» العجز البشري، وأننا تحت «مدار» الإعجاز الإلهي..
صممتُ أن لا أبرح هذه الآيات حتى أبلغ مجمع «النتائج»، أو أمضي حقباً إلى «التدبر» حتى خرجت بمفهوم عظيم، هو «حب الله» وفق أصوله وأسسه ومعانيه..
فأمضيتُ وقتاً أقلب صفحات القرآن الكريم.. ظللتُ ثاوياً في «عجائب» النعم التي تحيط بنا.. وبقيتُ «ماكثاً» بين «مشارب» البشائر التي خصصت لنا.. فتغشتني «السكينة»، وغشتني «الطمأنينة»، واحتوتني «الروحانية»، حينها نكصت بخيالي إلى «عمق» الذل للعزيز، وتوجهت بفكري إلى أفق «الضعف» للقوي..
رفعتُ بصري إلى السماء «عاجزًا» مشفوعًا بروح استكانت بين الخضوع لرب ذي فضل، والهجوع لقول فصل، ونفس استلهمت اليقين بمضامين «الحياة»، والحنين إلى رياحين «الفطرة»..
كيف نحب الله.. وكيف نعيش هذا الحب من أعماق الفؤاد إلى آفاق المراد بدءاً منذ النطق الأول باسمه - عز وجل -، ومروراً بتشرب كل معاني «الرعاية» ومعالم «العناية» وغنائم «الرحمة» ومغانم «اللطف»، وانتهاء بالانتقال مرة أخرى إلى «ذمة» الله بعد طريق قويم، بدأه المعطي بالخلق من «العدم»، وأنهاه «الدائم» بالموت دون «استثناء».
حب الله.. الفعل الشفيع، والمقام الرفيع الذي يجعل «العيش» نعمة أولى، والرضا «مهمة مثلى»، والتقوى همة أسمى في سبيل الطاعة، وفي طريق العبادة تحت راية التوحيد، وفي مسار التقوى، وعلى درب الحسنى..
حب الله السمو الإنساني والرابط الإيماني الذي يقوّم النفس، ويُبهج الروح، ويُعزز العقل، ويدعم القلب، ويزرع في الوجدان بذور «السعادة»، ويجني في العمر مصائر «البركة»، وينمي في الخواطر مضامين «الفرح»، ويرسم في الدروب معالم «الإنجاز». عندما ينتشر «الحب في الله» بين الناس تسمو «القيم» الإنسانية، وتعلو «الهمم» البشرية، وترتقي الأنفس إلى أعلى مستويات «الصفاء»، وأسمى مراتب «النقاء»، حينها تتعتق الأرواح بعبير «الوفاء»، وتنعتق الشخصيات من شوائب «الحسد». حب الله «امتثال» لصناعة الصلاح، و»جمال» لصياغة الفلاح، فمن هذا الحب نستمد «طاقة» العون لنيل «الأمنيات»، ونتزود منه ببطاقة العبور نحو «الإنجازات» في سبل «عيش» كريم، وطرق «تعايش» قويم، يجعلنا في «سلوك» العبودية الخالصة لوجهه - عز وجل - وفي «مسلك» الوجودية المنبثقة من إعجازه جل شأنه.
في حب الله تتجلى مشاهد «الاطمئنان»، وتنجلي مكامن «الخوف»، وتنتصر شواهد «الأمان»، وتتأصل قواعد «الأمن»، وتعلو قيمة «الإنسان»، وترتفع «أرصدة» المشاعر، وتمتلئ خزانة «الشعور»، وتكتمل مقومات «الرضا»، وتتكامل مكونات «الفوز».
في حب الله يعجز اللسان عن الوصف، ويتوقف التعبير عن التوصيف، ويتعجب العقل من التفكير.. لأن المعنى عظيم، والمشهد أعظم.. فنحن أمام «مفهوم» لا يعلم صداه إلا مَن خلقه، ولا يقيس مداه إلا مَن أوجده.. وكي نعيش الحب الفطري العميق المتعمق المولود معنا، الموجود فينا، القائم في أرواحنا، المقيم في أنفسنا، علينا أن نتفاعل بكل جوارحنا، وأن نتشرب بكل خلايانا هذا «النعيم» الذي يجعلنا في حالة أبدية ودائمة ومستديمة من الطهر والشرف والفخر والمثالية التي لا تنالها «الإنسانية» إلا بحب الله، والعيش تحت ظل مغفرته وظلال رحمته.