د. محمد بن عبدالله آل عمرو
عيد الفطر المبارك سنة 1441هـ سيكون عيدًا مختلفًا لم نعهد مثله من قبل ولا آباؤنا ولا الأجداد، فعيد الفطر يمثل فرحة المسلمين بفطرهم بعد أن من الله عليهم بتمام صيام شهر رمضان، وفيه تكتمل بهجتهم بجملة من القيم الإنسانية الرائعة، اجتماع الأهل وصلة الأرحام وزيارة الأقارب والأصدقاء، العفو والتسامح، الإحسان إلى المحتاجين من المتعففين وغيرهم، ومن تمام سعادة الناس وسرورهم توقيتهم إقامة أفراحهم ولقاءاتهم الاجتماعية والترفيهية في أيام العيد، ففي حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية فقال صلى الله عليه وسلم: ما هذان اليومان؟ قالوا كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر. وفي الحديث أن عائشة رضي الله عنها وضعت ذقنها على منكب الرسول صلى الله عليه وسلم لتنظر إلى زفن الحبشة حتى ملت وانصرفت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة.
وعلى غير المعتاد فإن عيد الفطر لهذه السنة سيكون مختلفًا تمامًا تحت وطأة فايروس كورونا (كوفيد- 19) حيث أعلنت وزارة الداخلية منع التجول الكامل طوال اليوم في مدن ومناطق المملكة كافة في الفترة من يوم السبت 30 رمضان 1441هـ حتى نهاية يوم الأربعاء 04 شوال 1441هـ؛ وذلك يعني الامتناع عن فعاليات يوم العيد المعتادة من البروز للمشهد مبكرًا لأداء صلاة العيد، الذهاب من طريق والعودة من طريق آخر، ومعايدة الأهل والجيران، وبقية البرنامج المعتاد على مدى أيام العيد الثلاثة.
ومن المؤكد أن إعلان وزارة الداخلية هذا قد جعل عامة المواطنين والمقيمين على درجة عالية من المسؤولية والوعي بخطورة هذا الفايروس وسرعة انتشاره التي لا يمكن إيقافها إلا بهذه الإجراءات الاحترازية الحازمة وبقاء كُلٍ في بيته خلال هذه المناسبة الدينية الاجتماعية التي ينتظرها الجميع في كل عام بكل اشتياق.
ولن تعيق هذه الإجراءات الاحترازية واجب إخراج زكاة الفطر، حيث يمكن إخراجها في اليوم التاسع والعشرين، أو إخراجها نقدًا كما أفتى بذلك بعض العلماء، وذلك مباشرة أو تحويلاً إلكترونيًا في حسابات الجمعيات الخيرية القادرة على توزيعها على الفقراء قبل صلاة العيد، أو في حسابات من يجوز إخراجها لهم إن علمت؛ ومثل ذلك الصدقات، والهدايا.
ولأن الإنسان الإيجابي هو من يصنع البهجة له ولمن حوله، فمن المتوقع أن يبتكر الناس برامج للتعبير عن فرحتهم بالعيد وفق ما يتناسب مع إجراءات حظر التجول، وما يخفف عنهم الشعور بالعزلة والبقاء في البيوت، وما يجنبهم مسببات القلق والتوتر النفسي وغيرها من المتاعب النفسية، فعلى سبيل المثال يمكن تحويل إحدى غرف المنزل إلى غرفة رياضة ترفيهية وتزويدها ببعض الأجهزة والألعاب المختلفة التي تصنع البهجة وتلغي الرتابة والملل في البيت، ومن كانت لديه سعة في الفناء فيمكنه بلمسات بسيطة وإضافة بعض الأجهزة الخارجية أن يصنع له ولعائلته مزيدًا من الشعور بالسعادة والسرور.
وستمكن التطبيقات الإلكترونية التفاعلية العائلات من التغلب على عزلة المكان بالالتقاء بالأقارب والأصدقاء سواء بشكل ثنائي، أو بشكل جماعي، وإقامة الكثير من الفعاليات المشتركة التي تشعرهم بفرحة العيد وبهجته. ألا وإن من أجل الأعمال التي تصنع البهجة والسرور والسعادة وتعد من أحب الأعمال إلى الله تعالى بما تدخله من السرور على نفوس الآخرين هو رسالة عفو ومسامحة ومعايدة يرسلها المسلم لأخيه المسلم يشعره فيها بالمودة وبتجاوزه لمسببات القطيعة والتدابر.
وبهذه المناسبة أتوجه لمقام خادم الحرمين الشريفين بأجَل التهاني والتبريكات مستعيرًا قول المتنبي:
هنيئا لك العيدُ الذي أنتَ عيدُه
وعيدٌ لمن سَمًى وضَحًى وعَيًدا
وأجمل التهاني لمقام سمو ولي العهد الأمين وللأسرة المالكة الكريمة وللشعب السعودي النبيل، وأسأل الله تعالى أن يرفع هذا الوباء عن بلادنا وعن سائر بلدان العالم، وأن يمن علينا بدوام الأمن والإيمان والاستقرار.