د. يوسف بن طراد السعدون
سيطر كوفيد التاسع عشر على الأرض مخلفاً اختلالات بكل جوانب الحياة. فهل سيتمكن العالم من استعادة زمام الأمور والعودة لأوضاعه الطبيعية؟ ومتى يستعيد الناس حرياتهم ويستطيعوا السفر والتجول بين المواقع والدول بسلام وأمان؟ ومتى وكيف سيتمكن الطلبة والعاملون من العودة لمدارسهم وأعمالهم؟ وإلى متى سوف يستمر البشر مضطرين للالتزام بتعليمات العزلة والتباعد الاجتماعي والهاجس الوقائي كارتداء القناعات أو الكمامات؟ هذه التساؤلات وغيرها تدور بالتأكيد في أذهان الجميع وتبحث عن الإجابات الشافية، والتي أرى أنها تستند بشكل تام على معرفة متى يكتشف لقاح آمن يمنح المناعة للجميع.
والسباق نحو تلك الغاية يجري حالياً بوتيرة متسارعة. فقد أوردت صحيفة طبيعة (Journal Nature) في 9 أبريل، أنه حتى تاريخ 8 أبريل كان هناك 78 عمل أبحاث وتطوير عالمية تجري بهدف اكتشاف اللقاح المنشود، وجلها ما زالت في مراحلها الأولى ما قبل التجارب السريرية. وأوضحت أن 72 % من مجموع تلك الأبحاث تقوده شركات دواء ومختبرات القطاع الخاص، والبقية 28 % تشرف عليه مؤسسات أكاديمية أو قطاع حكومي أو مؤسسات أخرى غير ربحية. وقد توزعت تلك الأعمال بين أرجاء العالم كالتالي: أمريكا الشمالية 36 عملاً، 14 عملاً بكل من: الصين، وأوروبا، وآسيا وأستراليا. وأفاد موقع (لايف ساينس - Live Science) في 16 أبريل، أن الخبراء الذين تم إجراء مقابلات معهم أفادوا بعدم إمكانية تطوير اللقاح المأمول قبل مضي 12 - 18 شهراً، أي ليس قبل منتصف عام 2021. بينما قالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية مارغريت هاريس في 12 مايو إن «فيروسات كورونا محيرة للغاية ومن الصعب إنتاج لقاحات مضادة لها».
وبدون شك يعد هدف الربح الدافع للشركات الدولية المتخصصة بالدول المتقدمة لإجراء الأبحاث لتطوير اللقاحات. وسوف تحرص تلك الشركات، وبغطاء رسمي من دولها، على ضمان احتكار إنتاج اللقاح لفترة من الزمن حتى يتم تحقيق أرباح مجزية لها. وقد تمكنت من تثبيت هذه الحقوق نظاماً بنصوص عدد من الاتفاقيات الدولية كالاتفاقية حول الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية (تريبس) لدى منظمة التجارة العالمية. والتي تلزم جميع الدول الأعضاء الامتثال لقوانين حماية الملكية الفكرية لمدة لا تقل عن 20 عاماً للأدوية الحاصلة على براءات اختراع. وهذا الأمر سوف يؤدي إلى إطالة أمد الوباء. فالاحتكارات لا تيسر تحقيق الأهداف العالمية الرامية إلى تقليص المدة التي يستغرقها المطورون لإنتاج الكميات المطلوبة من اللقاحات لكافة أبناء البشر، أخذاً بالاعتبار التفاوت الكبير بمستويات التنمية بين الدول المختلفة.
ولذلك عقد يوم الاثنين 4 مايو ببروكسل مؤتمر التعهدات طويلة الأمد بهدف تسريع تطوير وإنتاج وتوزيع عادل لوسائل التشخيص والعلاجات واللقاحات للقضاء على الوباء. وقد شارك فيه إلى جانب الاتحاد الأوروبي كل من المملكة العربية السعودية، جنوب أفريقيا، رواندا، ماليزيا، فنلندا وكوستاريكا، وبغياب أكبر اقتصادين عالميين (أمريكا والصين). ورحب خلاله الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش، بمساهمات الدول المانحة التي زادت عن 8 مليار دولار، ومنوهاً إلى «أن هناك حاجة لحوالي خمسة أضعاف هذا المبلغ للتمكن من وضع أنفسنا على الطريق نحو عالم خال من المرض، وأننا نعيش في عالم مترابط ولا أحد منا سوف يكون في أمان حتى نكون جميعاً بأمان».
مما يتحتم معه، على المجتمع الدولي التكاتف وحشد الموارد لهزيمة كوفيد التاسع عشر للتمكن من ممارسة الحياة بلا خوف ولا أقنعة. وتعد مجموعة العشرين التنظيم الدولي الأكثر قدرة حالياً على قيادة قاطرة العمل لتحقيق الأمل. وعليها أن تسارع بتنفيذ أمور عديدة من أهمها:
1- إنشاء مؤسسة عالمية، تختص بمتابعة ورصد وتنظيم وتمويل الأبحاث المتعلقة بتطوير وسائل ونظم التشخيص للأوبئة وإنتاج اللقاحات الضرورية، والمساعدة بتيسير وصولها إلى كافة الدول وأبناء البشر، والعمل على تطوير البنية التحتية الرقمية وتقنية المعلومات الرقمية بمجال الخدمات الصحية.
2- المراجعة للاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية حقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراعات والتأكيد على أن الأساس هو الإنسان وصحته، بغض النظر عن مستويات الدخل والتنمية.
3- إعادة الصياغة والبلورة لمبادئ ومواثيق حقوق الإنسان العالمية، بالتأكيد على الأولوية لكيان العنصر البشري وضمان بقائه. ويتصل بذلك إجراء مراجعة شاملة للأنظمة الصحية بالدول المختلفة لضمان أنسنتها بشكل أكبر بحيث توفر الخدمات الصحية لكافة الناس بغض النظر عن جنسيتهم وعرقهم ولونهم ومستواهم المعيشي.
ختاماً التقيت قبل سنوات في مدينة جدة، على ظهر «سفينة السلام»، بمجموعة من اليابانيين المسنين الناجين من قنبلتي هيروشيما وناغازاكي الذرية بنهاية الحرب العالمية الثانية. وبعد عرضهم أوجه المعاناة التي عاشوها، أكدوا أن السر وراء نهوض اليابان من دمار الحرب والنماء يكمن في تناسيهم للحقد والانتقام والتركيز على البناء. تذكرتهم، وتخيلت جمال وإشراقة المستقبل لو ترسخت حكمتهم تلك في أفئدة البشر كافة، كأحد الأعراض الجانبية للقاح المؤمل. وسئلت نفسي وماذا لو أدى اللقاح أيضاً لترسيخ الصدق بالقول والعمل وسقوط أقنعة الكذب والرياء والغش والخداع والنفاق، فكيف ستصبح الحياة في عالم بلا أقنعة؟