م. بدر بن ناصر الحمدان
قاموس «كولينز» وصف الشخصية النرجسية على أنها تعبِّر عن «اهتمام استثنائي بالذات»، لذلك فإن هذه الشخصية من أصعب أنماط العلاقات التي تضطر للتعامل معها في بيئة العمل، فهي تعبّر عن شخص أُحادي مصاب بالغرور، وتعظيم النفس، يعاني من اضطراب في السلوك، وأنانية مفرطة، والتمركز حول الذات، وعادة صاحب هذه الشخصية لا يرى إلا نفسه وإنجازاته ولا يستطيع الاندماج ومشاركة العمل بشكل جماعي، لذا تجد «الأنا»، وإقصاء الآخرين حاضرة في كل أقواله وأفعاله.
في بيئة العمل ليس شرطاً أن تتقبل نمط الشخصيات التي تقابلهم أو تعمل معهم، ولا هم أيضاً مطالبون بتقبل شخصيتك، فالله عزَّ وجلَّ خلق البشر شعوباً وجماعات وأمماً مختلفة، ولكن الشرط هنا هو الالتزام بما يحكم هذه البيئة العملية من معايير وواجبات وأخلاقيات مهنية تستوجب العمل في إطار مكان محدد وخلال فترة زمنية محددة تضع كل من يعمل بداخلها مسؤولاً عن التمشي بتعليماتها والعمل بثقافتها وسلوكياتها المشتركة والتجرّد من أي سمات شخصية لا تتواءم معها.
الشخصية النرجسية في العمل تمثِّل سبباً رئيساً في إعاقة تقدّم الآخرين وتمكينهم، خاصة من ذوي المستويات الإدارية الأقل أو الجيل الجديد الذي ربما يتفوَّق على صاحبها في كثير من المهارات العملية، كونه لا يمتلك ثقة كافية في النفس للاعتراف بتفوقهم والإيمان بقدراتهم، وباعتباره شخصاً «نرجسياً» مُتَعَالياً، واستغلالياً، ويتعامل بفوقية، وغرور مفرط، ولا يكترث بمشاعر الآخرين، ولا يسمح لأحد بمنافسته، ولا يرى سوى ذاته الظلامية المنغلق عليها في صندوق أسود.
لا عجب أن الشخصية النرجسية تمثِّل عضواً رئيساً في مجموعة «ثالوث الظلام» الذي يركز على ثلاث سمات شخصية (النرجسية، المكيافيلية، والاعتلال النفسي)، كون هذا الثالوث المظلم يشكِّل خطراً على المجتمع العام فما بالك بتأثيره المباشر على حيّز عمل صغير، من شأنه الإخلال بمنظومته وإحباط كل الجهود التي تسعى لبناء فريق عمل موحّد ومتجانس ومتعاون، مثل هذه الشخصيات كفيلة بأن تكون وراء انهيار قِيم وعادات وتقاليد أي منظمة ما لم يتم الانتباه لها وتحييدها.
تطبيق اختبار «الثالوث المظلم» على كل موظف تظهر عليه أعراض هذا المرض، أمر حتمي للمحافظة على ثقافة أي جهاز عمل يسعى للنجاح.