كورونا أزمة عالمية شلت الحياة الاجتماعية والاقتصادية بجميع جوانبها ولم تسلم منها منشأة أو عامل وحتى الأسر والأفراد بمساكنهم، وكما أن هذا الجانب أرهق العالم من النواحي الصحية لسلامة الأفراد والأسر إلا أنه هناك جوانب أخرى جديرة بالاهتمام وتحريك الوعي المجتمعي والمؤسسي لإعادة النظر بها من ناحية الموارد البشرية ودورها في تضخيم هذه الأزمة وصعوبة السيطرة عليها صحياً أو إدارياً والأعباء المالية المترتبة على المنشآت بسببها، فالموارد البشرية أحد أهم وأقوى الدعائم لأي اقتصاد وقوتها وقدرتها هي المحرك الأساسي لهذا الاقتصاد، ولكن بعد كورونا نلاحظ أن أكثر من تأثر بهذه الأزمة هي القوى العاملة حتى أصبحت عبئاً ثقيلاً على اقتصاديات الدول عامة والسعودية بشكل خاص نظراً للاعتماد الكبير على العنصر البشري.
إن هذا التحول التاريخي للعالم يجعلنا نعيد النظر بالآليات والأساليب التي كنا نتبعها لإدارة وتطوير الموارد البشرية، ونتبع أساليب أكثر تطوراً ونأخذ فيه الاحتياطات اللازمة لمواجهة أي أزمات تعتمد على العنصر البشري والتأثر بسببها، وأفضل الأساليب لحمايتها والمحافظة عليها أوقات الأزمات ويجعلنا نغير الأنظمة والقوانين الحكومية والخاصة لتواكب المتغيرات وتتأقلم معها لكي لا تتأثر الثروة البشرية، أو تتأثر بها الحكومة أو المنشآت.
بعد أزمة كورونا صار لزاماً على أصحاب العمل التفكير جدياً بتفعيل العمل عن بُعد بعدد مناسب من العاملين والأفضل عدم اعتماد الحضور كمقياس للأداء واستبداله بمقياس الإنتاجية والجودة، وكذلك الاعتماد على أصحاب العمل الحر من أصحاب الحرف والمهن المستقلين والمميزين الواعين والمحبين لعملهم، حيث إنهم لن يشكلوا عبئاً على المنشأة، والتعاقد مع المستشارين الفنيين المستقلين لتسلحهم بتجهيزاتهم دون حاجتهم لتجهيزات المنظمة، وتشكيلات الأساطيل المنتشرة في جميع المناطق المتواجدة بمنصات التواصل الإلكترونية جاهزة لتقديم خدمات التوصيل، والنقل الخفيف والثقيل، وجميع الخدماتالمتنقلة سواء للاستخدام المنزلي أو التجاري، كما أن أصحاب الشركات والمصانع بإمكانهم إعادة تشكيل خطوط الإنتاج لتكون أكثر ديناميكية وأقل اعتماداً على العنصر البشري، وأكثر استفادة من المتعلمين، وتطوير أساليب النظافة والأمن لتكون أقل اعتماداً على العامل ولا ننسى دور الأسر المنتجة في التنمية والعمل عن بُعد، بالإضافة إلى الإمكانيات الهائلة التي ممكن أن تقدمها لو تم الاعتماد عليها في حضانة الأطفال، أو خدمة الطعام، أو صناعة الملابس، أو الحرف اليدوية المنزلية وغيرها من المهارات المنزلية المهدرة.
والحمد لله بلادنا تزخر بالمنصات الإلكترونية المتنوعة والتي تقدم خدمات متعددة سواء منزلية أو تجارية ويمكن الاعتماد عليها أو تكوين شراكات عالية المستوى لوضع حلول مبتكرة للاستفادة من الموارد البشرية المتاحة.
إن اعتمادنا على هذه القدرات المتنوعة وغيرها من الوسائل المتاحة والجاهزة قد يجعلنا لا نحتاج إلى تواجد الموظفين وقد نستغني عن استقطاب عمالة من الخارج خصوصاً العمالة الأقل مهارة، ونقلل الاعتماد عليهم، ونقلل من مخاطر تحمل مسؤولياتهم صحياً واجتماعياً وأعباء سكنهم وما يترتب عليهم من مخاطر دولية مع سفاراتهم أو نقلهم لبلدهم، أو تعرضهم لأخطار مهنية، كما أن ذلك يزيد من اعتمادنا على العناصر البشرية الوطنية، واعتمادها على نفسها، وتحملها أعباء المعيشة من المنزل، ونقلل الأعباء الوظيفية على المنشأة ونحقق مبدأ التكافل الاجتماعي والتنمية المستدامة، وقد نصل للاكتفاء الذاتي من العنصر البشري.