د. أحمد الفراج
هل يمكن أن يكون المثقف متعصبًا لحزبه السياسي؟! والسؤال هنا عن المثقف، وليس عن الناخب البسيط، ولهذا السؤال صلة مهمة بمفهوم الديمقراطية، فالشائع لدى معظم الناس هو أن الإنسان الغربي على قدر كبير من الوعي، وبالتالي ينتخب من يعتقد أنه أفضل المرشحين، عطفاً على البرنامج الانتخابي، الذي يطرحه المرشح، مثل الوعد بدعم برنامج التسليح، أو خفض الضرائب، أو دعم برامج التنمية الاجتماعية وغير ذلك من الوعود، ولعلكم تتفاجؤون بأن هذا غير صحيح، ففي أمريكا، والتي يسيطر على حراكها السياسي حزبان رئيسيان، أي الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، هناك ما يشبه التعصّب للحزب من منطلق أيدولوجي، ونادراً ما يصوت ناخب ديمقراطي لمرشح جمهوري، والعكس صحيح، في ظاهرة تكاد أن تنقض الفلسفة الديمقراطية من أساسها!
دعوني آخذكم في رحلة إلى الماضي، ففي عام 1992، وهي السنة التي ترشح فيها الرئيس جورج بوش الأب لإعادة الانتخاب، في مواجهة ثلاثية، مع الديمقراطي، بيل كلينتون، ومرشح حزب الإصلاح، روس بيروت، دخل بوش الأب هذه المعركة، بعد أن نكث وعده للناخبين بخفض الضرائب، وهو الوعد الذي قطعه على نفسه، عندما ترشح للرئاسة في عام 1988، إلا أن معظم الجمهوريين صوّتوا له، مع أن بإمكانهم التصويت لمرشح حزب الإصلاح، روس بيروت، المحافظ الذي وعد الناخبين بإصلاحات اقتصادية كبرى، بحكم أنه رجل أعمال ناجح، وكان متوقعاً أن ينتهج سياسات اقتصادية تعود بالنفع على الشعب الأمريكي، مثل دونالد ترمب حالياً، وذات الشيء يمكن أن يُقال عن بيل كلينتون، الذي صوَّت له الديمقراطيون، دون أن يحاولوا تجربة سياسي جديد، أي روس بيروت، وأذكر بهذا الخصوص أنني سألت حينها صديقاً أمريكياً يعمل كطبيب جراح، وهو مثقف عالي الثقافة أيضاً، عن نيته في التصويت، فقال نصاً إنه متردد، ثم أضاف: «البرنامج الانتخابي لمرشح حزب الإصلاح، روس بيروت، مغرٍ جداً ولكنني ديمقراطي»، ثم أخبرني لاحقاً أنه صوَّت في نهاية المطاف لمرشح الحزب الديمقراطي بيل كلينتون، على حساب قناعاته، وهذا يعني أن التعصّب للحزب هو من يحدد بوصلة التصويت لدى معظم الناخبين، ليس لدى الناخب البسيط وحسب، بل لدى الطبقة المثقفة أيضاً!