د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
نحتاج حينما نتجه إلى الطرح المكين، وإبداء الآراء خلال الأزمات، إلى التفكير الهادئ, والمراجعات العميقة للتاريخ المشابه، والواقع الحقيقي المحيط محليًّا وعالميًّا، كما يلزمنا عدم الانحياز لاختيارات معينة نحو الأزمة دونما مستند مرجعي صحيح؛ حتى لا تكون أطروحاتنا مثار نقع وبلبلة؛ إنما ينبغي استجلاب المعلومات الحقيقية من مصادرها؛ لتستقبل الأقلام، وتسقيها حبر الصدق والصادقين، وحتى نتبيّن من خلالها كثيرًا من الحقائق التي قد تغيب عن بعض العقول إذا ما كانت صناديقها مغلقة، وعندما لا تكون عند الكاتب القدرة على التنقل بين المعلومات بسهولة وحرفية. ودائمًا ما نكون مدفوعين برغبة حقيقية في إقناع أقلامنا بأن قراءة الصفحات القديمة أمر مهم جدًّا لرسم صورة المستقبل. وما أحوجنا إلى فلسفة جديدة لتحديد وصف الفكر الإعلامي وقت الأزمات؛ وإلا فلماذا نصعد من السلالم ذاتها التي حملت بعض الرؤى، ولما تجد منصة تحتضنها لخلل ربما كان في الطرح، أو لعله في جدارة الموضوع، وعلاقته بالأزمات الطارئة! ويبرز في تلك الدوائر أسئلة كثيرة: هل مسؤولية الكاتب في زمن الأزمات تعلو وتيرتها دون غيرها من الأوقات؟! وهل يلزمنا أحد ليعلمنا اختراع متن موضوعاتنا فيبعثها من جديد لتواكب واقعنا الطارئ؟! ولو كنا نملك المعرفة الواسعة المتخصصة فهل كان بالإمكان أن تكون استعداداتنا جاهزة للمشاركة الواسعة والمؤثرة؟! وهل يتحول الاتكاء على العزيمة الذهنية إلى مركب الوصول الأوحد بالفكرة والموضوع إلى أذهان الناس؟! وربما أدى ذلك إلى عدم القدرة على الاستمتاع بملامسة الموضوعية؟! والواقع أنه لا يمكن أن يتعاطف الناس ويتفقوا مع كاتب ليس لديه مقومات خاصة تسهم في ترقية الكتابة وتجلياتها، ولكن المفارقة عندما تثير الآراء المتواضعة ردود فعل غير متواضعة! وتبعًا لذلك، فإن الممكنات المتفردة تؤدي دائمًا إلى أن ينزاح الحديث عن الموضوع إلى الحديث عن صاحبه؛ وهنا يصبح الطرح بعيدًا كل البعد عن موضوعات الساعة في العالم بأسره. وشتان بين الحالين. ولا بد لمن يجهل المعلومة التي يريد اقتناصها وطرحها للناس من المعاينة وليس القراءة العابرة؛ فالأزمات دثارها أن ينتقي الكاتب موضوعات تبث الحقائق الصادقة، وتؤكد السياسة العليا للدولة في ضبط مؤثرات الأزمة ومتأثراتها. ويلزمها أيضًا القدرة على التوازن في صياغة محددات الخروج من التأزم؛ والاندماج مع المجتمع المحيط لدعم جهود ادولة، وتحقيق مفهوم الخلاص من واقع الأزمة بتشكيل صياغات عديدة لجوانب المسؤولية المطلوبة. وعندها ينجح الكاتب في تحويل الحقائق إلى عدد من الإشارات التي تؤدي إلى اقتناص فرص ثمينة للكتابة المسؤولة، ومن ثم الخروج بشيء من موضوعية الأحكام؛ فالكتابة وطرح الفكر للمجتمعات في الأزمات ليسا مجرد جملة من الطقوس والقوالب اليومية المكتوبة في غياب نظرة فلسفية عميقة لدور الكتابة ورسالة الكاتب خلالها. وأجزم أننا أو كثيرًا منا لا نملك معملاً عقليًّا متكاملاً لتحليل المنتجات المطروحة وتقييمها, ولا نستطيع أن نجزم أنها صالحة للاستخدام الآدمي؟! أو غيره، خاصة في زمن الأزمة والعزلة في بعض الأحيان والأحوال، ولكنّ هناك فرقًا ومساحات شاسعة بين الغث والسمين، والرخيص والثمين، لكننا في النهاية لا بد أن نهتدي إلى الحقيقة، في أعماق هذا وذاك. والذي يجب أن نبحث عنه فقط هو: ما هو نصيب قضايا الواقع في زمن الأزمات من ذلك المحصول؟
ولكل شيخ طريقته؟! والمرمى ينتظر رمية من غير رامٍ، ينتظر مخاطبة الضمائر, ودغدغة العواطف, وتحريك الوجدان, واستثارة الهمة، عند ذاك نستجمع حرارة الواقع، وندير مقابس الاشتعال، نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء.
وعندما ينداح الفكر, ويستجيب العقل لشذراته, ولمحاته, ويستأثر ذلك باهتمام الناس، تتكون عند ذاك شحنات قوية, وطاقات باعثة, بها من رحابة الأفق, وخصوبة العنصر, وقوة التأثير, ما يمكن الاتكاء عليه لتحقيق التشارك في المسؤولية الوطنية المطلوبة، وإقامة منصات المشاركة في كل قلاع المجتمع؛ لتصبح الأرض مخضرة, ويمكث في الأرض ما ينفع الناس.
وختامًا فإن الكتابة رسالة سامية, متعددة الطاقات، وارفة الفوائد. وربما جاز لنا أن نحتفل بها ولها نعمة وهبة من الله. هي موائد لأولنا وآخرنا, حين تكون احتفالاتنا الفكرية في الأزمات وسواها موضوعات داعمة، تستحق الكتابة, وحين توجد وقفات وملاحظات عطشى, تروم سقيا فكرة شاردة, وومضة واردة، وحتمًا لا بد أن يمهد لها الطريق!