الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
زاد في الآونة الأخيرة "ظاهرة الشائعات"، وهي الظاهرة المعروفة قديماً منذ عهد الأنبياء والرسل الذين لم يسلموا منها، ولا دولة من الدول أو عصر من العصور، والمتجددة بقوة مع تطور التقنية الحديثة، وبالذات في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حتى أصبحت تلكم الظاهرة الأسرع نمواً وانتشاراً، ولاشك أن لها مخاطر عديدة على الفرد والمجتمع. وعلى الرغم من تحذير الإسلام من مخاطر الكلام دون روية وتثبت إلا أن وجود الشائعات لا يزال قائماً.. "الجزيرة" التقت مجموعة من التربويين المهتمين بالشأن الاجتماعي ليتحدثوا عن تلك الظاهرة، ويقدموا رؤيتهم تجاهها.
تصدي المجتمع
بداية يقول الأستاذ الدكتور محمد بن علي الصالح وكيل عمادة شؤون الطلاب بجامعة الملك سعود بالرياض: الشائعات تعني لغة اشتقاق من الفعل (شاع) الشيء يشيع شيوعاً وشياعاً ومشاعاً ظهر وانتشر، ويقال: شاع بالشيء: أذاعه، أما الإشاعة اصطلاحاً فكل قضية أو عبارة، يجري تداولها شفهياً، وتكون قابلة للتصديق، وذلك دون أن تكون هناك معايير أكيدة لصدقها.
ولاشك بخطورة ما تشكله الشائعات على المجتمع فهي تعتبر من الظواهر الضارة لأنها توجه المجتمع نحو طريق خاطئ في المفاهيم، وتنمي أفكارهم السلبية، فلا يستطيعون أن يفرقوا بين الصح والخطأ، وتختلط المصداقية في رؤيتهم مع كثرة الأكاذيب، فكم من شائعة أثارت قلقاً وسببت خوفاً، وأثارت بلبلة وانعدم بسببها استقرار مجتمع بأكمله، وغالباً ما تنشر هذه الشائعات عن جهل ووثوق أعمى، ولا يعلم من بدأ في نشرها أنه يسعى بجهله لتحقيق مصالح لأنفس خبيثة، ولكي يتصدى المجتمع لخطورة ما تترتب عليه الشائعات من مضار لا بد أن ينتشر الوعي بين أفراده بعدم الأخذ أو تداول أي خبر دون التحقق من صحته، ولا بد أن يكون واعيًا بالأثر الذي يعود على من حوله وراء نشره لخبر غير موثوق، فقد يتسبب لأخيه المسلم بآثار نفسية وحسية لا حد لها.
ويضيف دكتور محمد الصالح قائلاً: لا أجد أنفع ولا أنجح لعلاج هذه الظاهرة إلا ما دلنا عليه الله في كتابه بقولة تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نادمين}، فقد أمر الله عباده بالتثبت والتبين في الأخبار، وأن يكون المسلم واعياً ويطلب الدليل البرهاني لأي خبر يسمعه، وأن يمثل الإسلام في تعامله بحفظ لسانه وبفطنته ووعيه.
انحراف في التفكير
وترى الدكتورة عواطف بنت عبدالعزيز الظفر، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فيصل بالأحساء، أنه مع التطور التكنولوجي والتقني في وسائل التواصل أصبحت الإشاعة أكثر رواجاً وأبلغ تأثيرًا، وهذا ليس فيه من المبالغة بشيء؛ فكم تدمرت مجتمعات وأسر وبيوت وأزواج، وأقلقت أبرياء، مشيرة إلى أن الشائعة ضررها أشد من ضرر القتل، يقول الله تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}، ومروجو الشائعات عضو مسموم مريض النفس منحرف التفكير، ويحتاج إلى علاج نفسي واجتماعي.
وتضيف الدكتورة عواطف الظفر أن الإشاعة قد تبدأ بخبر صغير غير متأكد منه، ومن ثم ينتشر بين الأوساط المجتمعية إلى أن يصبح خبراً كبيراً ومضافاً إليه إضافات غير حقيقية، ومن ثم يصدق من الجميع، والأساس كان إشاعة، والله سبحانه وتعالى أمرنا بالتثبت من الأمور والأخبار وإرجاعها إلى مصادرها الأصلية حتى نتأكد منها، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع".
وأحذر أن تكون أنت أو أنتِ الانطلاقة لكل شائعة وأن تكون مروجاً لها وأن ترددها مع إضافة الكثير من الكذب لجعلها مستساغة عند الآخرين؛ فليحافظ كل منا على دينه ووطنه وأمته، وعلى حسناته {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}.
المهلكة والمصيبة
ويؤكد الأستاذ عثمان بن عبدالله آل عثمان، الخبير التربوي أن خطر الإشاعة يأتي أكثر وجعاً وأقوى إيلاماً وقت الأزمات المحدقة والظروف الحالكة، لذا وجب التبين والتبصر من ذوي الألباب والأفهام قبل إذاعة الأخبار ونشرها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} في معرض هذه الآية الكريمة تأنيب وقرع شديد من الولوج في هذا المسلك الخاطئ والنفق المظلم، والذي وصف الخالق -جلت قدرته- الواقعين فيه والمغرمين به بالفسق وتجاوز حدود الدين؛ لشناعة ما ارتكبوه وفظاعة ما أحدثوه. وقد حذر الشارع الحكيم من مغبة نقل المرء لكل نبأ يسمعه، قال صلوات ربي وسلامه عليه: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع)؛ وما ذاك إلا لسوء الأثر المترتب على التساهل في هذا الأمر والتعاطي معه، وفداحة النتيجة الواقعة من جرائه.
ويضيف العثمان أنه لدرء أخطار هذه الآفة المهلكة والمصيبة النازلة -أعني الإشاعة- فهناك ثمة تدابير راسخة ومناهج واضحة، أرشدنا لها ديننا القويم في التعامل مع جملة الأخبار وكل تفاصيلها، أسوقها هنا للتذكير بها وللأخذ بفحواها:
أولاً: التأني والتروي والنظر في عواقب الأمور قبل أن تقع الفأس في الرأس، وقبل أن يجنى على الأفراد والمجتمعات بالشر والضرر المحض من أخبار مغلوطة أو مكذوبة لم يتم التأكد من مصدرها ومصداقيتها.
ثانياً: التثبت في الأخبار والرجوع لأهل الشأن من أهل الحل والعقد في استبانة الحال قبل الخوض جهلاً وافتراء في قضايا غير محتملة أو ظنية لا مستند لها، ينقصها الدليل القاطع والبرهان الساطع.
ثالثاً: التفكر في مضمون الأخبار المنتشرة ومحتواها، فليس كل ما يقال ويهمس به يمكن الاعتماد عليه والإذعان له والتسليم به، فلا نجعل عقولنا منقادة وألعوبة في أيدي المغرضين والأفاكين وأهل الفتنة.
رابعاً: مواجهة معاول الهدم وتجفيف منابعها القذرة والآسنة، والكشف عن مساعيها وتوجهاتها الحقيرة، وترك الاستجابة لإملاءاتها وإيحاءاتها، والاكتفاء فقط بما تسوقه الجهات المعنية مأمونة الجانب، والتي هي محل الثقة.
مجتمع الجهل
وتتفق الأستاذة سمية بنت عطية الحسن المحاضرة في كلية التربية جامعة الملك فيصل، على أن الشائعات من أخطر الأسلحة التي تفتك ببنية المجتمع وأفراده؛ حيث إن لها تأثيراً هدّاماً على المجتمعات كاملة أو قد تقضي على الأفراد قضاء كاملاً، لأنها تؤدي إلى الفتنة والوقيعة بين الناس، وعادة يقوم بنشر الشائعات أناس ضعفاء جبناء قلبهم مليء بالأحقاد والكراهية للناس والوطن، مشيرة إلى أن تأثير الشائعة يظهر قوياً كلما كان أفراد المجتمع أقل وعياً وأكثر جهلاً، لذلك تتأثر المجتمعات التي يسودها الجهل بهذه الشائعات ويؤثر عليها سلباً، وقد ساعدت وسائل التواصل العديدة على زيادة انتشار الشائعات بشكل كبير، حيث إن بعض الأفراد أعطوا هذه الوسائل مصداقية زائدة على حدها.
وتضيف سمية الحسن أنه من الصعب أن نجد مجتمعاً بدون شائعة أو أفراد لم يتعرضوا لتأثير الشائعة، حتى الأنبياء تعرضوا للشائعات ولكن كيف يمكننا درء خطر الشائعات، ويكمن ذلك في زيادة الوعي لدى أفراد المجتمع، وتعميق التفكير المنطقي لدى أفراد المجتمع فكثيراً من الرسائل تصلنا لو فكرنا فيها بعمق لوجدنا مدى كذبها وتأثيرها السلبي، وتعميق حس المسؤولية لدى الأفراد، وأن يكون كل فرد مسؤولاً عن درء هذه الشائعات ويرد عليها ويفندها، كما من الضروري عدم نشرها والتنبيه لأي رسالة ممكن أن ينشرها شخص بالخطأ، وقد قيل في الشائعة "الشائعات ينشرها الجبناء ويصدقها الأغبياء".