تصوير - حمود العتيق:
أكدت الآثار التي تم اكتشافها في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية، أن شبه الجزيرة العربية -التي تشكّل المملكة ثلثي مساحتها- كانت من أقدم مناطق الاستيطان البشري في العالم، حيث استوطنها الإنسان قبل أكثر من 1.2 مليون سنة، وقد دخل المستوطنون في شبه الجزيرة العربية في علاقات بعيدة المدى توسعت فيما بعد إلى بلاد الرافدين، وسوريا، وحضارات منطقة البحر الأبيض المتوسط، وقد أسهمت هذه الأنشطة في خلق مناخ اقتصادي قوي ومراكز تجارية كبيرة جعلت منها ملتقى لمختلف الحضارات عبر العصور، وحتى تتكامل صورة المملكة قديماً وحديثاً.
وأوضح كتاب صادر من قطاع التراث الوطني بعنوان (المملكة ملتقى الحضارات) أن النتائج العلمية للمسوحات والتنقيبات الأثرية الأخيرة في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية كشفت عن أبعاد مهمة في معرفة الإرث الحضاري للمملكة، فمن خلال الأعمال التي نفذتها الفرق العلمية السعودية، والبعثات العلمية الأجنبية، تم التوصل إلى حقائق مذهلة تؤكد أن المملكة كانت نقطة التقاء العديد من الحضارات القديمة التي أثرت في التاريخ البشري، وقد أثبتت المكتشفات الأثرية أن بداية الاستيطان البشري في أرض المملكة العربية السعودية يعود إلى العصر الحجري القديم الأسفل منذ مليون ومئتي ألف سنة قبل الوقت الحاضر، ومن الدلائل على ذلك «موقع الشويحطية» الذي يقع على بعد 30 كم شمال مدينة سكاكا بمنطقة الجوف شمال المملكة، وتوضح الكثير من المكتشفات الأخرى آثار الحضارات التي تعاقبت في شبه الجزيرة العربية والمستوطنات البشرية التي تواجدت على أرضها منذ عصور ما قبل التاريخ، وفي هذا الإطار تم إحصاء وتسجيل ما يزيد على 8000 موقع في مختلف مناطق المملكة، من أبرزها:
* مدائن صالح، وهي أحد مواقع التراث العالمي المسجلة ضمن قائمة اليونسكو، وتمثل الحضارة النبطية القديمة (300 سنة قبل الميلاد). كما تمثل واجهات القبور الضخمة فيها بعضاً من المعالم الأثرية المذهلة من العالم القديم، وتثبت أن أرض المملكة كانت ملتقى للحضارات.
* جدار طوله 11 كيلو متراً يحيط بمدينة تيماء القديمة، التي يرجع تاريخها إلى 1200 سنة قبل الميلاد. والتي كانت في القرن السادس قبل الميلاد العاصمة التشغيلية للمملكة البابلية أثناء حكم الملك نابونيد.
* آثار ما قبل التاريخ في مدينة تيماء، وتشمل عدداً من القطع الأثرية التي تعود إلى عصور المديانيين والأدوميين في بداية الألفية الأولى قبل الميلاد. كما تشمل نقوشاً من القرن السادس قبل الميلاد.
* آثار العصر الإسلامي المبكر في مدينة تيماء، وتتمثل في قطع أثرية تم اكتشافها في المدينة، إضافة إلى المعالم الأثرية المتمثلة في الجدران الضخمة، وقصر الحمراء، وبئر هداج، وقصر الأبلق، وقصر البجيدي.
* موقع آثار ثاج في شرق الجزيرة العربية غرب مدينة الجبيل، والتي تُعد محطة مهمة على طريق القوافل التي كانت تعبرها لتتزود فيها بالماء والغذاء. ويحتوي موقع ثاج الأثري على أطلال مدينة كاملة محاطة بجدران مع أربعة أبراج. وقد كشفت نتائج التنقيبات الأولية بداخل جدران المدينة عن وجود خمسة مستويات رئيسية من الاستيطان البشري يعود تاريخها إلى الفترة ما بين 500-300 سنة قبل الميلاد.
* موقع حضارة المقر القديمة التي يعود تاريخها إلى 9000 سنة، وقد تم استيطان هذه المنطقة قبل آخر تصحر، أو أثناء الفترة الأخيرة من تقلبات المناخ. وتظهر المواد الأثرية المكتشفة في هذا الموقع أن سكان المقر قد استأنسوا الخيول قبل 9000 سنة، إلى جانب دلائل أثرية تشير إلى استئناس حيوانات أخرى، وتقنيات كانت تستخدم في الصيد والزراعة، في حين أن الدراسات السابقة أشارت إلى أن الخيل قد تم استئناسه لأول مرة في وسط آسيا قبل 5500 سنة.
* موقع جبه الفريد في وسط الكثبان الرملية من صحراء النفود شمال المملكة العربية السعودية، والذي يعود تاريخه إلى العصر الحجري الجديد قبل 7000 سنة، وقد عُرف بفنونه الصخرية العديدة المميزة، ويمتد تاريخه إلى ثلاث فترات تاريخية بعيدة، حيث تُعرف الفترة الأقدم بفترة جبه المبكرة ويرجع تاريخها إلى 7000 سنة (قبل الوقت الحاضر). وكانت النحوت البشرية والحيوانية تميز تلك الفترة. وكانت النحوت التي تصور الجمال، والخيول، والوعول، والنخيل إلى جانب النقوش الثمودية التي كانت تميز الفترة الثانية أو الفترة الثمودية، وتعتبر منحوتات الرجال وهم يركبون الجمال مما يميز الفترة الأخيرة، وهي الفترة التي يتم خلالها تحميل القوافل بالبضائع.
* موقع الشويمس الأثري الذي يعود تاريخه إلى العصر الحجري، وهو مركز مهم للحضارة في شمال شبه الجزيرة العربية، حيث يحتوي الموقع على فنون صخرية رائعة تصور البشر بالحجم الطبيعي، ومجموعة مختلفة من الحيوانات. كما اُكتشف في الموقع إفريز رائع يبلغ طوله 12 متراً، ويظهر صور البشر والحيوانات.
* موقع قرية الفاو (قبل 400 - 300 سنة قبل الميلاد)، واكتشاف هذا الموقع قاد إلى إعادة تقييم الآثار العربية في القرون التي سبقت ظهور الإسلام، حيث انتعشت قرية الفاو أثناء عصر مملكة كنده، وكشفت التنقيبات التي نفذت بالموقع عن منحوتات برونزية نادرة، وسلسلة مذهلة من رسومات فريسكو، ومبنى ضخم تم نحته في البرونز، وتكشف جميعها عن تطور الحياة في مدن الجزيرة العربية على طول طرق التجارة القديمة المتجهة من اليمن إلى شبه الجزيرة العربية.
* موقع درب زبيدة، الذي يشير إلى امتداد الطرق التي تربط مدينة مكة المكرمة بمصر، واليمن، وسوريا، والعراق، والشرق الإسلامي، حيث يُعد درب زبيدة (القرن السابع للميلاد)، من بين أهم المواقع العربية المرتبطة بهذه الطرق.
* مواقع النقوش العربية المبكرة التي تدل على مستوى التعلم والقدرة على الكتابة لدى المستوطنين في مواقع مختلفة من شبه الجزيرة العربية.