محمد ناصر الأسمري
لعل من أهم مميزات اختطاط المدينة العربية أنها قد ارتكزت وامتزجت في عصورها بظهور الإسلام منهجًا وفلسفة وثقافة، فأساس التخطيط كان بناء المسجد في المدينة المنورة ثم الكوفة ودمشق والفسطاط وغيرها من مدن الإسلام، حيث كان مركز المدينة هو محور تتجه إليه ومنه تنطلق الطرق وتقام الأسواق ومراكز الإعلام والإعلان.
يبدو - والله أعلم، ربما وفق نظريات التأثر والتأثير - أن هذا الفكر قد أثر في التخطيط العمراني في أوروبا والعالم الجديد، حيث جعل وسط المدينة مركز القلب لحركة النقل والتجارة والتسوق، وأصبح ما يُسمى بـ Down Town يعني في الثقافة السائدة - مركزية القوة في المدن سياحيًا واقتصاديًا وثقافيًا، ومع تراكم السنين أصبح هذا عرفًا بل تاريخًا جالبًا للاستثمارات. في بلدنا يبدو الأمر أكثر وضوحًا سائدًا في مكة المكرمة حيث الحركة دائرية تنطلق في مسارات إشعاعية تبعًا لكون الطواف والصلاة حول الكعبة دائرية، وبالتالي تكون حركة الخروج إشعاعية في مختلف الاتجاهات، ولهذا بنيت وشيدت طرق دائرية عدة في مدينة مكة المكرمة.
بقية المدن
في بقية المدن صار التخطيط الحضري متأرجحًا بين محاولة الحفاظ على التخطيط الحضري الذي سبق الإشارة إليه مع تمدد الأحياء ومحاولات استخدام النظام الشبكي الذي اختلف من حي ومن مدينة لأخرى حسب اجتهادات المخططين الغربيين - دوكساديس - في مدينة الرياض وأرامكو في الدمام في حي العمال وغيرها، واجتهادات البلديات في تخطيط المدن. بهذا فقدت مدننا هوية عمرانية مميزة بغياب مركز المدينة مركز النقل والثقل والتسويق والتجارة، دون أن تغفل ما قامت به الهيئة العليا لتخطيط الرياض لإعادة شيء من الاعتبار بتعمير ما أحاط بقصر الحكم والجامع الكبير.
الضواحي وفك الاختناق
نمو المدن الحضرية الكبرى في أشكالها الحالية قد لا يساعد على الفهم لأي توجه للتخطيط الإستراتيجي للخدمات الاجتماعية، الثقافية، الصحية، الأمنية. لعل التوجه إلى إيجاد ضواحٍ للمدن حل إيجابي لتوزع الخدمات بشكل علمي بحيث يكون التركيز للخدمات والإدارة لها بحيث يكون بين كل ضاحية وأخرى فواصل من مساحات خضراء ومراكز تناظر للخدمات وتقاطر للنقل بكل أنماطه ووسائطه بانسيابية ومرونة وسرعة وأمان.
مجمعات سكنية غير مغلقة
لقد بدأت بعض المدن بانتهاج تخطيط مجمعات سكنية في الرياض والمدينة المنورة ومدن المنطقة الشرقية كان بعضها مغلقًا لكن فتح الله على مقيمها ففتحوا الإغلاق والانغلاق. ولعل الحي الدبلوماسي في الرياض مثال جيد.
أبها البهية ما عادت
ترد العزبة صبية
كانت مدينة أبها في تخطيطها العمراني القديم محتفظة محافظة على النمط المعماري القديم، حيث تلاصق المباني وتقاطع الطرقات رغم ضيقها كانت مدينة أليفة تحيفة، وقد جرت محاولة لإعادة تخطيط وسط المدينة على النمط المعماري العسيري التقليدي الذي تعامل مع البيئة والظروف المناخية بمهنية وحرفية عالية، حيث جاءت مباني إمارة منطقة عسير والسكن الرسمي لأمير المنطقة ونائبه نموذجًا حيًا رائعًا ملفتًا جاذبًا رغم دهان مبنى الإمارة حاليًا باللون الرمادي!! لكن باقي الحال صار ممنوعًا من الصرف، حيث هدمت مباني المجمع الحكومي وكأن الحال كما يقال ما أقمناه هدمناه وكل ما هدم يعاد بناؤه.
تخطيط شوارع وطرق
لا ميادين سباق
بالنظر إلى تخطيط شوارع المدن نجد أنها قد صممت بسرعات عالية مميتة، فهل يعقل أن يبدأ شارع الملك في جدة من جنوب المدينة إلى بعد مطار الملك عبد العزيز بما لا يوجد مسارات للمشاة غير المعلقة في أماكن متباعدة ويبقي خطر المجازفة لأي عبور. كذا الحال في طريق الأمير ماجد الذي يبدأ من مدائن الفهد جنوب جدة حتى المطار بطول يزيد عن 30 كلم، وكذا طرق لملك فهد في الرياض وطرق ابن خلدون من مطار الدمام إلى وسط المدينة مخترقًا تقاطعات عدة مع عدد من المدن. إن هذا التخطيط لا يساعد على تنمية الروابط الاجتماعية ولا السلامة ولا الأمان، وربما لا يخدم حركة متصلة فهو أقرب للمخاطر الأمنية والمرورية. وهنا لا أدعو إلى إلغاء الطرق السريعة فهي صلة ومواصلات واتصال بل أدعو لتطوير فكرة مخارج آمنة متقاربة للمركبات وللمشاة وهندسة الطرق والنقل عند المختصين فيها حلول.
أمثلة من التخطيط غير المناسب
من المخططات السكنية غير المناسبة في الوطن تخطيط ضاحية الدخل المحدود في الرياض، حيث البناء على الصامت لا سيما أن عدد السكان يقارب المليون بل وربما أنه من الناحية الاجتماعية قد ولد شعور بالضيق عند المقارنة بإحياء أخرى. لكن تبدل الحال وسُمح للناس ببناء مساكن جميلة على غير نمط البناء الصامت.
ولا يمكن نسيان مدينة جدة فهي ينطبق عليها المثل الشعبي، فإن ما خلف المباني على الطرق الرئيسة يدل على غياب بل عشوائية التخطيط في تداخل المباني داخل الأحياء وضيق الشوارع والممرات مما صعد الحركة في الداخل، لعل الأحياء في بعض أجزاء من مدينة الفهد وما خلف شارع المكرونة وأحياء الخمرة ما يستدعي إعادة النظر بإعادة التخطيط، كما حصل في العوامية في المنطقة الشرقية. ولعل أحياء الطائف القديمة من تلك المخططات حيث بعض الشوارع عرضها 6 أمتار.
موارد البلديات لم
لا تصرف على التخطيط؟
لدى البلديات موارد مالية ضخمة جدًا من الرسوم على الرخص والمهن ولوحات الطرق الإعلانية وغيرها. ولعل الوزارة وقد ارتبطت بالإسكان وارتبط بها هي اليوم معنية بتطوير مناهج التخطيط الحضري، وذلك بإفساح مجالات أوسع لبيوت الخبرة المحلية والعالمية في تبنى إبداعات المهندسين السعوديين، لا سيما وقد بات لهم جمعية مهنية يرأسها الأمير سلطان بن سلمان المعني بكل عمل مثمر.
أين جائزة فقيه؟
منذ زمن أعلن المواطن الشيخ عبد الرحمن فقيه تقديم 15 مليون ريال لمسابقة أفضل تخطيط عمراني لمكة المكرمة كي ينافس فيه دور الخبرة العالمية والمحلية لتكون مدينة عصرية لها سمات الأرض القبلة تنصهر فيها الثقافات.
أين الإستراتيجية العمرانية؟
وأخيرًا يبرز تساؤل عن الإستراتيجية العمرانية التي أقرها مجلس الشورى منذ أكثر من عقد من الزمان: أين هي وهل تم تطبيقها والعمل بها؟