ما إن أغمض عينيه حتى نازعه ولهٌ صاخبٌ لحرف نازف؛ علَّه يجسر جنوحَه، وينعش ليله؛ مضى حيث صومعة عبثه مودعًا فراشه الوثير تاركًا شريكته ولما يمض على ارتباطهما بضعة أشهر.
أمسى ويكأنه مدمنٌ ارتشفَ شهدَ رضاب لمى ضامها صيام دهر، انداحت الفِكرُ تتوالى؛ كأنما حبيبات سبحة أجمعت أمرها، وتكتلت لتجهز على خيط قيَّد حريتَها. بالجانب الآخر ظلت تندب حظها، وعلى نطع مضائها فاضت محاجرُ مقلتيها بجداول توسّدت وجنتيها.
ومن فرط حبور صديقته الافتراضية تصنعت دموعًا تسفحها بلا ضجيج، تشرح تصبّرها على غيابه، وقد قرفت ملوحتها وسطوة لهيبها، مخاطبة إياه أما وقد عدت أجدني ممتنة لسخاء دموع فاضت فرحًا بعودتك، معلنةً رفع حظرها عن بنانٍ مشاكسةٍ؛ طفقت تعزف على مربعات لوحة أحرف، ضعفت أمام قبلات أطراف بنانٍ متتالية؛ تترجمُ مخيلة معطاء، صال وجال؛ تعمَّق؛ منحت، فما بخل وما اكتفت، وبين مدٍ وجزر، نفذ خيطُ ذراتِ شمسٍ عبر خرم نافذة شرقيَّة يتيمة دائمة الإغلاق؛ حطت رحالها تزاور بنانًا كلَّت، ولمَّا ينضب عطاؤه؛ فجأة أقلعت سماء إبداعه، ابتلعت أرضُ مكثه فيضانَ جنونه؛ عندها تغشاه سلطان نومه.
استيقظت شريكته فزعة - ليس من عادته أن يخلط ليله بنهاره - هرولت نحو صومعته، شهدت ما قزز ذائقتها، وأتلف ما بقي من نزر أمل في أوبته. اقتربت، عدلت رأسه؛ كي تقفل معزوفة شخيره. فز مفزوعًا يردد اسم عشيقته الافتراضية، وعاد لشخيره. غادرت عالمه إلى الأبد يجاوره حاسوبه وأعقاب سجائره في جوف صومعة إسرافه وشقائه.
** **
- محمد المنصور الحازمي