اليد الأصابع الصفحات السطور الكلمات اللغة الروح المشاعر؛ جميعها مؤنثة في اللغة، وهنا اكشف بتجلّ انحيازي الطبيعي للمرأة، والالتفات لصوتها الشاعري في كل ما تكتبه عن نفسها وعن العالم من حولها، ومدى التلاقي والتفارق مع صوت الرجل في الحس والذائقة والتعبير، مع أن الشعر جوهر لا يتحول بناء على جنس أو أرض، بل على الأصالة والبقاء، فَشِعر المرأة والرجل نهران في مصبٍ واحد. هذه الأصوات النسائية التي اخترتها، قد تعلمت منها على المنبع الإنساني الوحيد وهو العاطفة والشعرية وإثبات الذات عبر زورق الكلمة.
إفريقيا أرض الشمس والرقص
الشعر الأفريقي ملتصق بأرض قارة تغزوها الشمس من كل جوانبها ويعبّ البحر من ألوانها، وليد الأناشيد الشعبيّة والأساطير، يُعبّر بحده عن الجراح والدمّ والآلام
1 - «من أجل إفريقيا»
قف عاريا أمام نهر النيل
واحضن انعكاس نفسك العزيزة
هنا تألق!
لك مجرى النهر المتصدع
الغابات المطيرة
الصحراء
الرياح الموسمية
السافانا
الأراضي الرطبة
رياح هارماتان العظيمة
مشهد الكثبان الرملية
هل هناك عجائب دنيا أكثر من هذه!
طهر روحك، وحين تفكر في المستقبل
انفض الغبار عن كتفك، وعالج عيوب نفسك بإفراط!
قصيدة للشاعرة ليبوهانق نوفا من شواطئ جنوب إفريقيا
أمريكا اللاتينية العراقة والعنفوان
قصائد مكتوبة بنون التأنيث؛ رنّانة حيوية، تقول ما لا يقال عن الجسد والفعل الحر والذاكرة، تستقطر ألوان ريشها من عنفوان أساطير الأسلاف.
2 - « الجسد»
الجسد
هذا المَجاز مع الفاجعة
يأتي الانشقاق
الجسد يتجزَّأ
الجسد الذي يتفَتَّت
حتى ظلنا
في آخر النهار
ليس بالطول
والاستدامة معنا
كلمات الشاعرة كارولينا دافيلا من سواحل كولومبيا
أمريكا الشمالية روح الغرب
الشعر الغربي المتحول المتجول. تجول بنا القصائد بحرية في أراضي شاسعة باردة، من روح الغرب والمهاجرين تتفرد الكلمات.
3 - «المشي إلى الوراء»
أمي حَظرَت علينا المشي إلى الوراء
هكذا يمشي الأموات كانت تقول
من أين جاءت هذه الفكرة؟
ربما وصلت إليها عبر ترجمة رديئة
فالأموات رغم كل شيء
لا يمشون إلى الوراء
ولكنهم يمشون ورائنا دون شك
إذ ليس لديهم رئات يتنفسون بها
ولا يستطيعون المناداة
غير أنهم يحبون أن نلتفت إليهم
إنهم ضحايا الحب
الكثير منهم ضحاياه
قصيدة الشاعرة آن كارسون من موانئ كندا
أوروبا مسرح التاريخ
في مسرح الحياة أشرقت أوروبا بألوان متنوعة من الحضارات، تتعدد مشارب الشعر من الثقافات المنصهرة وتمتزج في روح واحدة.
4- «إيقاع»
لا أحد يشفي جراحكِ المؤلمة
ولا أحد يحتضنكِ أبدًا
ولم تصل عند حدكِ شفاه أخرى،
لا الهاتف يجيب على نداءاتك
مع هذا تنضحين بالشكر
تختفين ببطء
وتوهمِين الآخرين بأن كل شيء كما كان
تسيرين باستقامة
كما لو أن الجبال تصيح بك: سيري!
تسيرين وحدكِ
تشربين تعب الكوابيس
(طريقة مبتكرة لارتداء المرارة)
وها أنت واحدة مثل غيرك !!
تتنفسين جرعتك اللازمة من الهواء
في هذا اليوم المتلاشي
قصيدة الشاعرة آراثلي ساغويو من لؤلؤة البحر؛ إسبانيا
أستراليا قلب المحيط
أرض مخضبة بلون الماء، تحملها موسيقى الريح، وتعبق قصائدها بالبلاغة والحكمة والتأمل منذ آلاف السنين.
5 - «السجن القديم»
صفوف الزنازين غير المسقوفة،
كناي في فم الريح،
الريح المحملة بالأنفاس الثلجية
لكهوف الجنوب الزرقاء.
يا لهذا اليوم المظلم، العصيب:
الريح مثل نحلة غاضبة
تبحث عن العسل الأسود
في تجاويف البحر الفارغ.
بينما تغسل، موجات الظل،
الهيكل الخاوي للصدفة،
التي مثل عظمة تصيغ من الهواء
أغنية مُرٌّة.
من كدح هنا وبنى؟
الريح والبحر يقولان
إن عشهما البارد قد تحطم
ورحلوا بعيدًا.
لم يتناسلوا.. لم يعشقوا،
كل في زنزانته وحيدًا
ينوح كما تنوح الريح الآن
بـ هذا الناي الحجريّ.
قصيدة لرائدة الشعر جوديث رايت من رياح بحر استراليا
آسيا صلوات الشرق
قصائد أشبه بصلوات تأملية، من داخل الذات؛ القلب الجسد الروح العقل، إلى قسوة العالم الخارجي الذي تخلّقت فيه الأنا وتورطت فلا الزوال ولا البقاء تمنح حرية الوجود.
6- «بـكاء»
سأبكي
سأبكي غداً
على كلّ العالم
على كل ما لم يحدث بالطريقة الصحيحة
سأبكي على كل عصفورٍ مقيّد
أضاع أغنية بهجته
غداً سأبكي من أجل كل قلبٍ كسر نصفين
كغصن شجرة
لكن دمعي لكَ اليومْ يا حبيبي
سأبكي ..عليكَ اليوم
دموع الشاعرة لانغ ليف من تايلاند حيث لا ماء يكفي للبكاء
من جولتنا حول قارات العالم على قارب يجول أنهار الشِعر النسائي، نفهم من القصائد وصوتها روح المرأة وكينونتها، في هذه الأنطولوجيا منابع شعرية قائمة بذاتها لها مجرى خاص يضيئه حضور المرأة الغني والممثل لروحها وعبيرها الذي يعكس الحياة من حولها والطبيعة الخلابة التي ترسمها. وكما أن الماء ماء مهما تغيرت منابعُهُ، فالشعر شِعر من روح امرأة أو مهجة رجل، فهما يتكاملان تماماً مثل نسيج الحياة نفسها من دون زيادة أو نقصان.
** **
- أثير الأحمد
Atheer.ala7md@gmail.com