د.محمد بن عبدالرحمن البشر
في رمضان نحن المسلمين في رحاب الصيام والقيام، وقراءة القرآن، نقرأه فنستمتع، ونقرأه فنتدبر فتتفتق الأذهان عن معانٍ قد لا تكون مطروحة من قبل، وقد يقود بالمرء تفكيره إلى ما هو أبعد، للتمعن في تفسير سابق لبعض الآيات، فيدله الله إلى إضافة جديدة، قد تكون ردفاً لما اجتهد به غيره فيما مضى من الزمن.
تدبر القرآن لابد أن يشبع النفس البشرية سعادة، ويمنحها متعة التفكير، لاسيما أن ما هو متاح من علوم لم تكن متاحة فيما مضى تساعد المتدبر المفكر أن يوظف شيئاً من هذه العلوم في دلالات التفسير، وإحضار الشواهد على عظمته، وقدرته.
اليوم نعرف الكثير عن الكون، والأجرام السماوية، وحركة المجرات والنجوم والكواكب، ونعرف الكثير عن الثقب الأسود، وموت النجوم، وتهاوي الكواكب، واتجاه حركة المجرات، والنجوم والكواكب، وبعض تركيباتها الجيولوجية، والغازية منها والصخرية، ودرجات حرارتها وبعدها، وتاريخ نشأتها التقريبي.
نعرف عن الجاذبية، ونظريات نيوتن، وأينشتاين، وغيرهم، ولدينا الحواسيب التي تساعدنا على إيجاد نماذج محاكاة لما هو أبعد من قدرتنا على مشاهدته، ولدينا من التلسكوبات ما يعيننا على النظر إلى بعض النجوم والكواكب بصورة أدق.
الإنسان عندما يقرأ القرآن ويتفكر في هذا الكون، وقد وضع في ذهنه ما أتاحته له التقنية العلمية، لابد أنه سيطرح على نفسه الكثير من الأسئلة : {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} .
الإنسان بمعداته البسيطة استطاع الوصول إلى القمر، والسير على سطحه، وأرسل عددًا من المركبات إلى المريخ وغيره من الكواكب، اقتربت بعض المركبات من الشمس، فعرف الكثير، وما زال لا يعرف إلاَّ نسبة لا تكاد تذكر من أسرار هذا الكون العظيم.
هذه التريليونات من الكواكب والنجوم في هذا الكون أو الأكوان كما تقول بعض النظريات، لا يمكن أن تكون فارغة من المخلوقات سوى الأرض، لابد أن هناك مجهولاً يحتاج إلى معرفة، ومعروفاً يحتاج إلى التوسع في كنهه.
الإنسان هو الآخر مجال للتفكر فيه، وربط ذلك بما جاء في القرآن، فمعرفة الكثير عن الإنسان سواء النفسية، أو الجسدية أو الحسية، سوف تساعد على إضافة جديدة لتفسير القرآن الكريم لمن يتدبر ويعتبر.
العلوم الطبية، والبيولوجية، والنفسية، والكيمياء والفيزياء، وغيرها لابد أنها ستفتح آفاقاً لمتدبر القرآن أن يرى تفسيراً إضافياً لكثير من الآيات القرآنية، والاستدلالات على آيات الله في خلقه، بقراءة آيات القرآن الكريم وتدبره.
اليوم نعرف عن الخلية وما بداخل الخلية، ونعرف الكروموسومات، والجينات، والتركيبات الجينية، ونتعرف على الإنزيمات ونعرف الكثير عن سلوك الخلايا وغيرها، ونربط بذلك بما سطره القرآن قبل مئات السنين.
لقد عرفنا الكثير عن الأمراض التي تصيب الإنسان، واستطاع الإنسان بعمق المعرفة أن يصنع الدواء للكثير من الأمراض، وبقي عليه أن يعمل الكثير، واستخدم في ذلك ما هو متاح من أجهزة ميكانيكية وأشعة، فأشرك الفيزياء والميكانيكا مع الكيمياء العضوية والمعدنية لمحاربة الأمراض والقضاء على الكثير منها، ومن خلال تدبر القرآن سوف يصل إلى تفسير إضافي لهذا القرآن العظيم.
حل وباء كورونا كالعاصفة، وسارع العلماء في سباق محموم لمعرفة أصله، وهيئته وتركيبته، وطريقة الحد من تأثيره، وعلينا أن نعترف أنه قد أمكن معرفة كل شيء عنه، لاسيما تركيبته الجينية وأنزيماته، وأسلوب الوقاية منه، ولولا ذلك وعون الله جلت قدرته، لما أمكن للمرء أن يحد من أثره وفتكه.
كان التباعد الاجتماعي أحد الأدوات، وجر معه آلامًا اقتصادية على جميع دول العالم، ومن يتدبر القرآن فلا بد أنه سيصل إلى إضافات جديدة لتفسيره.
وتفسير القرآن في نظري ليس جامداً لكنه متطور طبقاً لما يتاح من علوم تضيف للمتدبر فهماً جديداً، وسيظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.