أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: كل ما خالف ضرورة العقل ومراد الشرع (إذا تعين دلالةً وثبوتاً): فهو موجب الاستسلام والانقياد دلالةً وثبوتاً كما بينت ذلك في بعض بحوثي القديمة؛ ولكي نحل هذه المسألة حكاً يثب بالقلوب: فإنني مستدرك مقالاً في سياق (أبي حامد الغزالي) عفا الله عنه)؛ وأما (الغزالي) من غير تشديد الزاي: فذلك خطأ وقع فيه عدد من الفحول؛ ودعك من الأوشاب).
قال أبو عبدالرحمن: قال (أبو حامد الغزالي) عفا الله عنه في كتابه (المستصفى) في 3/353 354 مستدلاً بقول الله سبحانه وتعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [سورة المؤمنون/ 14]؛ فأخذ من هذه الآية الكريمة: المنع من التعارض بين العقل والنقل؛ وما قاله هو عين الصواب؛ لأن من كلام العلماء الربانيين: أن كل ما خالف ضرورة العقل، ومراد الشرع (إذا تعين دلالةً وثبوتاً): فهو موجب الاستسلام والانقياد للأمرين اللذين هما ضرورة العقل ومراد الشرع؛ فهما موجبان طمأنينة القلب ببرهان القسمة الحاصرة كما في قول الله سبحانه وتعالى: {فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [سورة يونس/ 32].
قال أبو عبدالرحمن: من المسلم به لدى فحول العلماء: أن العقل لا يتصور إلا الحق أو الضلال؛ لأنهما قسمتان حاصرتان، وما خالف ذلك: فهو من مغالطات أكثر الناس الذين يحرفون الكلم من مواضعه؛ لنصر مغالطاتهم، وتدليس ضرورة الشرع والعقل معاً؛ وحسبنا الله ونعم الوكيل.. وقال ربنا سبحانه وتعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سورة الحج/ 62]، و[سورة لقمان رضي الله عنه /30]:؛ فهل يماري في هذا إلا ملحد رقيع.
قال أبو عبدالرحمن: هاتان الآيتان الكريمتان غير حاصرتين؛ فهناك صفة ربنا سبحانه وتعالى بأنه الحق، وهناك صفة دعوى الكفار بأنها باطلة؛ لأن ذلك مذهب كل كافر.. وهناك احتمال مذهب ثالث؛ ولكن احتمال أن كلام الله محتمل أمراً ثالثاً؛ وهو المتعين في تدليس الكافر الرقيع؛ وعند الله عواقب الأمور كلها؛ ولقد تعين في كلام الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا} [سورة النساء/ 87]: أنه لا ثالوث في قسمة الله؛ بل هو إما حق، وإما باطل، ولا ثالث بين ذينك إلا أكاذيب الملحدين الكافرين المغالطين.. وهناك دعوى وجود إشكال يحتمل قسمة ثالثةً صحيحةً؛ وذلك عين الباطل والتدليس؛ إذن الباطل هو الضلال.
قال أبو عبدالرحمن: ولا تستغربوا كثرة إيرادي: (قال أبو عبدالرحمن)؛ لأن ذلك هو الحق، وهو مذهب الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى، وهو مذهبي من غير تقليد؛ لأن ما ورد خطأً لدى ابن حزم أو غيره من العلماء: فهو مدفوع بما هو كنور الشمس؛ ولقد قال ربنا سبحانه وتعالى: {...وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي...} [سورة المائدة/110]: فكل ذلك بإقدار الله عيسى بن مريم عليهما صلوات الله وسلامه وبركاته، وهذا الإقدار من الله سبحانه وتعالى (إذ أقدر عيسى وعلمه؛ وما يفعله ابن آدم من الإبداع): فهو من مادة خلقها الله، وجوارح خلقها الله؛ وربه إله واحد ماض فيه حكمه، عدل فيه قضاؤه؛ وكل ما في الكون بلا استثناء: فهو ملكه، وفعله؛ وليس في الكون ألبتة شيء يغيب عن علم الله، وفي الكون ما يرضاه الله كتبتل ملائكة الرحمن، وقنوت الأنبياء والمرسلين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ ثم اعلموا أيها الأحباب: أن الله سبحانه وتعالى خلق وأبدع على غير مثال قبله)؛ ولا شيء قبله)، وأنه خلق الوجود من عدم، وأنه يخلق ابتداءً، ويخلق من خلق خلقهم هو سبحانه وتعالى؛ ولا يقوم هو نفسه جل جلاله ابتداءً من عدم، ويخلق ابتداءً، ويخلق خلقاً من خلق؛ وهو تعالى غني عن المعاون والظهير؛ كيف لا وكل الوجود في قبضته؛ ومن براهين ذلك قوله سبحانه وتعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [سورة البقرة/ 115]، وقوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سورة الزمر/ 67].. وما ينسبه بعض المتساهلين من فعل الخلق منسوباً إلى ابن آدم: فإنما هو بمعنى الافتراء؛ أخذاً من قول العرب عن الكذب: يخلق ما يقول؛ أي يفتريه، وإلى لقاء مع آخر للحديث عن هذا الموضوع إن شاء الله تعالى، والله المستعان.