بشهادة البعيد قبل القريب، والعدو قبل الصديق، والجاهل قبل العارف، والأعجمي قبل العربي بشهادة الجميع، أثبتت المملكة قدرتها في مواجهة أي وباء وأي جائحة وأي طارئ، بقدرة واقتدار وصلابة لا تعرف الانكسار، عبر نماذج غاية في الحزم والابتكار، والإنسانية لم تكن أقوال وشعار، بل ظلت أفعال وأعمال.
بعد إصابة أكثر من مليوني شخص حول العالم منهم 6.5 في المائة وفيات، و25 في المائة عادوا لحياتهم الطبيعية، لكن مع تلك الأعداد المتزايدة، ظهر الوجه المخيف في العالم أجمع وفي الغرب المتحضر والمتقدم وذي الشعارات الرنانة في الإنسانية والعدالة والمساواة والحرية والقوانين والأنظمة، فخيم الهلع والخوف وتكدست الوفيات وتم الاستيلاء على الشحنات الطبية والغذائية وتهافت الجميع على الكفوف والكمامات، وفرّ الفرد من أخيه وأمه وأبيه ومن كل عائلته وبنيه، وهروب كبير للكوادر الطبية من المشافي ودور الرعاية والوحدات الصحية، واتكائهم على الأجانب في البحث والرعاية والسلامة.
ما تتمتع به المملكة في ظل هذا الجائحة أمر لا نظير له عالميًا، في الأمن والأمان ودور رجال الرجال في الحرص والمتابعة، وتنفيذ التوجيهات بصرامة، وبكل هدوء وسكينة وسلاسة، في التموينات المتوافرة والمخزون الغذائي المذهل، من كل الأصناف والأنواع، في توفر الأدوية والمعدات الطبية، في التعامل السريع مع الحالات وحصر تأثيراتها، في المستشفيات على مدار الساعة في جاهزية تامة بطاقمها ومعداتها وعراباتها، في المصارف الإلكترونية وتذليل كل العقبات. وصارت المعرفة متاحة عن بعد بكل سلاسة ومرونة.
وعملت جميع الوزارات والكيانات داخل المملكة كمنظومة مُتسقة متناسقة تعزف فن التكامل في لحن أذهل العالم واستراح الوطن.
توجيهات عُليا سامية من أول ساعة، بكل حكمة وعمق وقناعة، تتناسب مع حجم المملكة من اللحظة الأولى وهي تتوقع حجم الضرر وتعرف حجم المسؤولية، بكل جاهزية وحضور وتفاعل وقيادة، فسخرت كل الإمكانات ورتبت الأوليات وصرفت المليارات.
والأهم من كل ذلك لم تدخر لا أفرادًا ولا جهدًا ولا وقتًا ولا مالاً، خاصة مع توقف مُعظم الأنشطة الاقتصادية بشكل عام في معظم المرافق إلا أن المملكة ظلت تصرف الرواتب وتدعم القطاع الخاص وتوفر كل الاحتياجات تلك السابقة، التي تأثرت هي أيضًا عالميًا واختلف سعرها صعودًا ولكنها ظلت متشبثة ومحافظة، رغم السقوط المدوي عالميًا لأسعار النفط.
إنها المملكة يا قوم بلد راسخ ذو نظام يحمل رؤى وإستراتيجيات طويلة المدى، يحرص على سلامة المواطن والمقيم المسلم والكافر الأبيض والأسود العربي والأعجمي في إنسانية لم ير لها العالم مثيل. بل قدمت مبادرات خارج حدودها إقليميًا وعالميًا في دعم الأشقاء كفلسطين واليمن والأصدقاء، حتى قال السفير الأمريكي لن أعود سأظل هنا لن أجد مكان أفضل من المملكة...!
بالرغم من التوعية الإعلامية بكل قنواتها وأدواتها المرئية والمقروءة والمسموعة التي سخرتها المملكة لذلك إلا أنني هنا أوجه نصحي للجميع بتوخي الحذر وعدم التهاون ولنترك اللا مبالاة بعيدًا نحن في مرحلة الذروة Peak Period يجب أن نعمل ما علينا بكل تفانٍ وصدق، من نظافة ولياقة وتباعد وعدم اختلاط وعدم كسر التعليمات، نحن في مرحلة نكون أو لا نكون، حفظ الله المملكة شعبًا وقيادة أرضًا وإنسانًا وها قد أهل علينا شهر الرحمة العفاف وشهر البرِّ والاعتكاف، شهر البذل والاستعطاف، اللهم أهله علينا باللطف والألطاف والسلامة عند الاصطفاف.
** **
- باحث في جامعة الملك سعود