شريفة الشملان
ما زالت أمور الكورونا معنا ومع كل العالم لم تستقر بعد، وما انفكت نشرات الأخبار تأتي بأعداد قتلاها، وترتفع الأرقام بمكان، وتنخفض بآخر. وتلتقط دولة أناسها، وتكتم أخرى.
نضحك أحيانًا ونلعب، ونمل الضحك واللعب كيرم ورق حتى عدنا للطفولة بلعبة (حيوان إنسان نبات). على فكرة، تلك اللعبة كانت تحرك عقل الصغير، وتضيف لملكته اللغوية.
الأمر طال، وكل اختراع لنسيان الوضع العام بدأ يذهب سدى.. وتم استهلاك كل النكت، ما اختُرع وما قدم.
وجاء الجد أكثر، وما صرف له من تبعات. أكتب (الاثنين) البارحة وقد صدرت قرارات رفع ضريبة المبيعات (القيمة المضافة) إلى 15 في المئة مع إيقاف بدل المعيشة؛ وهو ما يعني أن الراتب نقص، والضريبة كبرت؛ وهذا سيؤثر على المواطن وغير المواطن، وعلى موظف الدولة وغير الموظف، وسينقص بطريقة أو أخرى أكثر على المواطن الموظف والمتقاعد من وظيفة حكومية.
بعبارة واضحة وصريحة: سنجد من يقل راتبه عن 10000 ريال أمام مبلغ غير قابل للتوفير من جهة، ومن يقل راتبه عن 7000 ريال غير قابل للاكتفاء؛ وهو ما سيؤثر سلبًا على أغلب الأسر. وقد تتدبر الأسر الواعية ظروفها بوضع ميزانية على طريقة (مد رجليك على قد لحافك). ومع ذلك مهما انكمشت سيبقى هناك عجز في ميزانية الأسر؛ لذا ربما نجد أن الأب سيحاول جهده البحث عن مصدر آخر للرزق مع صعوبة الوضع.
إذًا كيف يمكن التخفيف من أثر ذلك؟ وهذا التخفيف يساعد الحكومة أيضًا.
لعل أول ما نفكر به هو تخفيف المشتريات للحد من الاستهلاك، لكن هناك أشياء لا يمكن الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال، وأهمها الحليب والخبز، ومتطلبات الأطفال الصغار، أي المواليد من سنتين إلى أقل، ومتطلباتهم من الحليب والغيارات؛ فهذه يلزم الدعم لها.
المغريات كثيرة، وأصبح التسوق عبر الإنترنت في كل يد، وكل وقت، ولا تحتاج للخروج للأسواق الكبرى أو حتى السوبر ماركت للشراء، ولا تحس بهذا التسوق كونك لا تفتح المحفظة وتُخرج الأموال؛ فالدفع إلكتروني. وهنا تكون مسؤولية رب وربة الأسرة أكبر بالسيطرة على عربتهما الواقعية أو الإلكترونية مليئة بما تحتاج إليه الأسرة، وبما لا يشكل نوعًا من الاستهلاك الذي يوجع ميزانيتها.
مشاريع الدولة الكبرى يجب أن تستمر، منها المدارس والمستشفيات والطرق؛ فهي مهمة، وبكل شعور بالمواطنة، وبما عمل للتخفيف من الكورونا، وعمل التباعد الاجتماعي، وما أصاب المدارس وتضررها، فلا نشك أن صيانتها وإعادة تجهيزها تتطلبان جهودًا وأموالاً كثيرة. ونقدر ذلك حق التقدير.
وفي الوقت ذاته يمكن أن نطالب بمساهمة فعالة من المواطنين والمتخصصين ولو بالجهد والفكر لإعادة تأهيل المدارس؛ لأننا بحاجة لإعادة التفكير بمدارسنا وتنظيمها مقار ومناهج أكثر مرونة.
وهنا أعرج على المدارس الأهلية؛ فأسعارها تقارب أسعار الجامعات، ولا ندري هل ستعيد المبالغ التي أخذتها من أولياء الأمور قبل الجائحة، أم تُرى ستحولها للعام القادم؟
نحن ندرك جيدًا أن هذه المدارس مدعومة من الحكومة؛ لذا لا بد أن تكون وزارة التربية صارمة معها.
وندرك أيضًا أن الأهالي سيكون عليهم أيضًا عبء القيمة المضافة الـ15 %؛ لذا فإن التوجه لاستفادة كل الطلبة من مدارس الحكومة أولى من تقاذف الاتهامات بين المدارس الأهلية وأولياء أمور الطلبة.
والعبء ثقيل على المواطن كما على الدولة، خاصة مع مهمة إيجاد أبواب رزق للعاطلين. وفي قلب المحن تصنع المنح، والفرص والأفكار موجودة في كل زمان.. فالبحث عن فرص يخفف على المواطن، وهي ليست بالسهلة ولكنها موجودة.. أبسطها أننا أمام عمالة رحلت، بينها مهرة من عمال الصيانة، يمكن للشباب المؤهل من الكليات والمعاهد الصناعية والتقنية تقديمها بعد أن خفت عنهم المنافسة الرخيصة.
وأخيرًا:
دولة كبريطانيا، يدفع مواطنوها ضريبة العقار والدخل والسكن وضريبة الطريق وضريبة المبيعات وحتى ضريبة للتلفزيون، تركت شعبها لمصيره، وتعاملت معهم (كمناعة القطيع!!) خوفًا على اقتصادها وتدهور السوق، ولربما تستفيد من ضريبة الميراث.
وهي لا تقارن بالمملكة التي استنفرت كل طاقاتها لمكافحة هذا الوباء؛ فكان على حساب اقتصادها، واشترت شعبها، وتأثر الوطن بذلك والمواطن.
حفظت الوطن والمواطن، وبضريبة القيمة المضافة نثق بأن ارتفاعها مؤقت، وأن الأساسيات سوف تُستثنى من هذه الضرائب، وسيُدعم المواطن والأسر الأقل دخلاً.
لا نستغني عن العالم من حولنا، ولا يستغني عنا، والحالة هنا تبادلية وتكميلية.
انتهى حيز مقالي، ولم ينته ما في بالي.
ورمضان يمضي، ويقرب من وداعنا، وكل عام ووطننا بخير، وكل عام ومواطننا يزداد ثقافة وعلمًا. ونور الله دروبنا للخير جميعًا.