د. محمد بن إبراهيم الملحم
تحدثت عن ضرورة تجهيز المختبرات بما فيه الكفاية لحسن التطبيق وتوفيرها في المدارس المحتاجة، وأؤكد أن توفير المختبرات وتجهيزها (على أهميته الكبرى) هو نصف الحل فقط، ليبقى تدريب وتأهيل الكوادر البشرية ومتابعتها في الصدارة حتى يوضع الأمر موضع التنفيذ، فالتجهيز هو مجرد ضخ أموال وحدث في السابق وشهدنا نماذج مميزة تمثلت في بضعة عشرات من المختبرات المجهزة بأحدث تجهيز سواء تلك التي أمنتها الوزارة أو تلك التي أمنتها الجهات الأخرى التي تولت المشاركة في بناء المدارس مثل وزارة الدفاع والطيران والحرس الوطني وشركة أرامكو، فقد كانت تلك المدارس مثالاً يحتذى في توفر كل ما يخطر ببال أي معلم علوم، ولكن كان مستوى التفعيل متباينا سواء في جانبه الكمي (نتيجة لغياب المتابعة الإدارية) أو النوعي (نتيجة لضعف تأهيل وتدريب المعلمين) وشوهد التفعيل في مستويات دنيا حيث الإمكانات متوافرة دون استخدام والمعلمون يكتفون بـ«شرح» الدرس في الفصل والسلام. هذا المشهد يشعرك بفداحة الخسارة المادية الكبيرة في التجهيزات ملايينية الثمن التي لم تستخدم، لذا فإن تصدي جهات التعليم لكفاءة التنفيذ والتفعيل من خلال التدريب الحقيقي والأنظمة التفعيلية يجب أن يسبق حماسها لضخ الملايين لتوفير مختبرات نوعية مميزة ومجهزة بكل ما يمكن التفكير فيه من أحدث التقنيات والأدوات، أؤمن أن أمام الجهة التعليمية مهمة مشروع ضخم متكامل لتحقيق ذلك فهو ليس مهمة سهلة، ولكنها تستحق الاهتمام لجدارة مخرجها التعليمي.
بعد المختبرات هناك مجال آخر حول تقدم التدريس هو المعرفة المرتبطة بالخيال والتي لكي تفهم وتستوعب لابد لها من خيال خصب يمتلكه الطالب، وهي موهبة من الله لبعض الطلاب ولا يملكها أكثرهم، لذلك وجدت الوسائل التعليمية المساعدة للاستيعاب والتصور، وتتمثل (تقليدياً) في اللوحة والرسم والخريطة والمجسم، ولكن في عالم اليوم اختصرت التقنية الرقمية هذه كلها في العروض الحاسوبية والتي قد تجدها على شاشة الكمبيوتر أو بواسطة السبورة الذكية، كما تتكامل بشكل احترافي في المقطع الفيديوي الذي يعرض للطالب الفكرة بأكثر من أسلوب مشوق، والإنجاز في هذا المجال يتطلب كثيراً من الاجتهاد لتنميط موضوعات موادنا المقررة بمحتوى مناسب وسهل وإبداعي يتمكن الطالب بواسطته من استيعاب المعرفة بتصوراتها الحقيقية. أقول ذلك لأن السوق مليئة اليوم بمثل هذه المنتجات ولكن مع الأسف ليست كلها مميزة وهناك خلط كبير بين الغث والسمين سواء في العرض والتقديم أو حتى في المحتوى وخاصة تلك المنتجات باللغة العربية مع الأسف، وكم أتمنى أن تولي هذا المجال عنايتها تلك المؤسسات الأهلية أو الخيرية أوالشركات التي تجعل من التعليم مجال مبادرتها الاجتماعية ومشاركتها في المسئولية المجتمعية فتضع جوائز للمنافسات التعليمية في أداء المؤسسات أوتفوق الطلاب أوالموهبة أوما إلى ذلك، فبدلاً من جوائز تصرف عليها وعلى لجانها الملايين لو صرفت نفس الجهود والميزانيات في إنتاج محترم ومميز لأفلام ومنتجات رقمية عربية مبدعة تقدم المعلومة الصعبة أوالمرتبطة بالخيال في صيغة بصرية مشوقة للطلاب (كباراً وصغاراً) لكان هذا أجدر وأجدى وكان أثره أعمق بكثير، وإن الأثر الإيجابي ليس على المؤسسة التعليمية والطالب والمعلم فقط بل حتى في رعاية المبدعين من الفنانين الموهوبين في إنتاج مثل هذه المواد فنحن هنا نتحدث عن إنتاج إبداعي تحشد له مثل هذه الطاقات المتميزة وتفتح لها القنوات وتسخر لها الإمكانيات والدعم والتمويل، فلا أتحدث عن جهد رسمي باهت يبحث فيه المنتج عن «شركة» ما توفرت لها «سمعة» ويطلب منها إنتاج هذه المواد فهذا المسار ليس هو الطموح ويصلح غالباً لمن يريد أن يقول أنا عملت شيئاً. أحضروا المبدعين والمتميزين في الإنتاج الفيديوي والتصميم والرسم والسيناريو والمتخصصين العلميين الموهوبين واخلطوا هؤلاء في فرق عمل توفر لها كل الإمكانات الإنتاجية لتقدم للمحتوى العربي ما يخدم التعليميرتقي به ويفتح شهية الطالب للمعرفة والتعلم، بل يجعل منه متعة حقيقية، وعلى أقل الأحوال يتجاوز عقبات الخيال والتصور ليأخذها من إطار كد الذهن وإرهاقه إلى نشر الصورة والعرض المتحرك الذي يختصر الزمن ويسرع من التعلم ويفتح الآفاق، واحتفلوا بهذه المنتجات كما تحتفلون بالجوائز وكرموا المبدعين الذين أنتجوها كما تكرمون أصحاب المنافسات والمسابقات في جوائزكم السنوية، فالعطاء هنا أعظم، وأثره أبقى وأمضى والفرق بين العطاءين لا يقارن أبداً.