فضل بن سعد البوعينين
تسببت جائحة كورونا بانعكاسات حادة على أسواق المال العالمية، وكبدت المستثمرين خسائر فادحة، ودفعت بعض المستثمرين إلى سحب استثماراتهم تحوطًا من المتغيرات المستقبلية، خاصة وأن الغموض أحاط بالأزمة، من حيث مداها الزمني، وحجم تأثيرها الكلي، وإمكانية معالجتها من الجانب الصحي.
سوق المال السعودية جزء لا يتجزأ من الأسواق المالية العالمية، خاصة بعد ربطها بمؤشرات عالمية وانفتاحها للمستثمرين الأجانب ما يعني تعميق علاقتها بهم.
تركزت أنظار المراقبين؛ منذ الأزمة؛ على أداء السوق السعودية التي ربما واجهت أزمتها الأقوى منذ انفتاحها على الخارج. خسرت السوق جزءًا مهمًا من مكاسبها، أسوة بالأسواق العالمية، وانخفضت إلى ما دون 6000 نقطة إلا أن اللافت عودة المؤشر لتحقيق المكاسب من جديد برغم اشتداد أزمة كورونا، وتأثيرها المباشر على أرباح الشركات المدرجة وبخاصة قطاع البتروكيماويات، والقطاع المصرفي، وشركة أرامكو ذات الوزن الثقيل في السوق.
يُرجع رئيس هيئة السوق المالية؛ محمد القويز؛ السبب في ذلك إلى تغير تشكيلة المستثمرين، وإتساع شريحة الاستثمار المؤسسي، الذي يعزز الاستقرار كنتيجة مباشرة لسلوك المستثمرين وردة فعلهم الأكثر انضباطية وعقلانية. أحسب أن تغيير تشكيلة المستثمرين وتعزيز الاستثمار المؤسسي على حساب الأفراد كان من أهداف الهيئة التي تبحث عن انضباطية حركة السوق والعقلانية في ردود أفعال المستثمرين وبخاصة في الأزمات وقدرتهم على تحليل البيانات والأحداث المؤثرة وانعكاساتها على السوق.
من المهم الإشارة إلى التدفقات الاستثمارية الداخلة والخارجة من السوق؛ والتي شهدت انخفاضًا في شهر مارس كردة فعل مباشرة على الأزمة، إلا أنها عادت من جديد لتسجل صافي تدفقات إيجابية، وهذا أمر مهم يعكس الثقة بالسوق، وإدارته والاقتصاد الوطني، ويرسم صورة إيجابية عن التغيير في تركيبة المستثمرين وإتساع قاعدة الاستثمار المؤسسي.
وفي حديثه الافتراضي مع مجموعة من الكتاب والمختصين؛ أكد رئيس الهيئة أهمية صانع السوق كأداة من أدوات الاحتراز وانضباطية التداول، إلا أنه في حاجة إلى تنظيم مؤسسي متكامل يساعد على تحقيق أهدافه وفق تشريعات منضبطة، وهو ما يتم العمل على تحقيقه. ومن أدوات التحوط ما تعمل الهيئة على إقراره من مشتقات مالية مهمة لاستكمال منظومة التداول، كالعقود الآجلة، والخيارات (OPTION)، وغيرها من المنتجات الأخرى. لا يمكن تعزيز جاذبية السوق السعودية، للاستثمار الأجنبي، وضبط تداولاتها وتحقيق استقرارها ما لم تكتمل منتجات السوق المماثلة للأسواق العالمية. وهذا لا يعني إنتفاء المخاطر من وجود المشتقات بل على العكس من ذلك، قد يتسبب استغلالها بخبث، للإضرار بالسوق والمتداولين؛ لذا تحرص الهيئة على التدرج في إصدار المشتقات المالية لضمان الكفاءة وتحقيق المنفعة والحد من المخاطر.
ومن أهم ما تحدث عنه أ. القويز تطوير فكرة رفع الدعوى الجماعية وإجراءات التقاضي في السوق المالية، واختصار فترة التقاضي من سنتين إلى ما يقرب من 9 أشهر، مع العلم أن المستهدف خفضها إلى 6 أشهر؛ وهذا إن حدث فسيعزز مكانة السوق عالميًا، ويعكس صورة إيجابية عن المؤسسة العدلية. ولا يفوتني الإشادة بنجاح الهيئة في تشكيل القضايا الجماعية كسابقة مهمة للمؤسسات الحكومية ما يسمح باستنساخها مستقبلاً. ومن الملفات المطروحة، أهمية خصخصة بعض القطاعات الحكومية، كخيار إستراتيجي؛ أثبتت أزمة كورونا الحاجة الماسة له؛ وبما يعزز من كفاءة الخدمات ويحد من الالتزامات المالية الحكومية، ويوفر إيرادات حكومية مستدامة، ويعمق السوق من خلال الإدراج لتلك القطاعات المؤثرة. لقاء افتراضي مثمر قدم الكثير من المعلومات المهمة لكتاب الرأي والمختصين، وعزز من جسور التواصل التي تلتزم هيئة السوق المالية بها كجزء رئيس من سياسة التواصل الإعلامي الكفؤ والشفاف.