محمد ناصر الأسمري
جبل الإنسان فطرة على حب الوطن. والوطن مثل الأم يحضن ويحنو.
يتفانى البشر في حب أوطانهم والحرص على أمنها ووحدتها، تربية وتعليمًا، وممارسة وانتماءًا، والرسول محمد - عليه الصلاة والسلام - أرشد لمحبة الوطن، فقد حفظ التاريخ مقولته في الحديث عن مكة المكرمة: (والله إنكِ لأحب البلاد إلي ولولا أن قومكِ أخرجوني منكِ ما خرجت).
جبلة الحب للأوطان سلوك فردي وجمعي متوارث لدى الأجيال، وأغلب بلدان العالم يتسابق مواطنوها في الدفاع عن أوطانهم، ولم أجد أحدًا من الأسوياء يعمل ضد وطنه إلا من كان له من سمات الخيانة نصيب. وهنا اليوم أمثلة ممن باعوا شرف المكان من الذين اعتنقوا فكرًا موحشًا فوجدوا أبشع تشبيه إن أطلقوا على الوطن الوثن، أو أنه حفنة من التراب؟
ابتليت أوطان بخروج بغاة بغوا على أهلهم ووطنهم، فكان هنالك من خدعهم من زعماء الإرهاب أن يكونوا قتلة ومفجرين بعد أن مارس وعاظ ومفتون قدرًا كبيرًا في تحسين أعمال البغي باسم الجهاد وتحرير الأوطان.
لعل من أشنع ما ترسخ من فكر البغي، ما مارسته جماعة الإخوان المسلمون على مدى قرابة قرن من فكر منغلق وسرية في الانتماء، وتدرج في التراتبية الحزبية حتى كان لهم مرشد هو مصدر الإلهام والسيطرة والتحكم، ومن يراجع أدبيات الإخوان سيجد كمًا من التراتبية من مريد إلى مرشد في هرمية ليست من الدين.
طوال هذا التاريخ الطويل عانت الأوطان العربية من ويلات التفكير الإقصائي واستحلال القتل غيلة وغدرًا، ولعل مصر أرض الكنانة أكبر من عانى من ويلات القتل والترهيب من أجل الوصول للحكم، وقد تفشت في مصر الإخونجية وسرت في بلدان عربية، لكن الله حمى بلادنا بحكمة الملك المؤسس -رحمه الله- من وصول الإخوان والقضاء على ما كاد يكون مثيلاً في الداخل ممن حاولوا الإساءة إلى وحدة الوطن من فئام اعتنقوا فكر الانغلاق والتكفير، انتهجوا ما قيل إنه صحوة لكنه كان صغوة عن الحق. وها هو وطننا اليوم يقف بقوة وصلابة ضد كل منابع التطرف والغلو والانغلاق حين أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مقولته الشهيرة: (نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه قبل عام 1979 إلى الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب ولن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار مدمرة سندمرها اليوم وفورًا).
ونحمد الله أن بعضًا ممن أغواهم التحزب والولاء الأيدلوجي المتطرف قد خلعوا ثياب التطرف والتكفير، وبدأ الوطن يتنفس نسمات الاعتدال والتسامح ونبذ من لا يحب الوطن والدفاع عنه وإن كان الأمر لما يخل تمامًا من خلايا تقوم أجهزة الأمن بتجفيف منابر ومواقع مشينة للإنسان والوطن.
لقد تتبعت ما تيسر لي مطالعته من أدبيات الإخوان المسلمين، فلم أجد ما يشير إلى أن لهم حبًا لشيء اسمه الوطن، فكل الحرص والسرية والعلنية هو الوصول للسلطة والحكم، لا يهم بجانب هذا التسلط أي وطن، بل إن ما يظهر من القول منهم هو الخلافة ومصدرية هذا الوهم أن يكون الخليفة المطاع من الإخوان مغوليًا أو تركيًا.