د. أحمد الفراج
كثيراً ما أسمع بعض المعلّقين العرب، الذين يتحدثون عن أيدولوجية الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة، الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، ثم أعجب عندما يقول أحدهم إن الحزب الجمهوري هو حزب الحرب، وأن الحزب الديمقراطي هو حزب السلام، أو أن يُقال إن الحزب الديمقراطي حليف لتلك الدولة، أو تلك المجموعة الإقليمية، والحزب الجمهوري على عكس ذلك، وأود التوضيح أن هذا ليس صحيحاً بالمطلق، فلا شك في أن هناك فروقات أيدولوجية وفروقات بين الخطوط السياسية للحزبين. هذا، ولكن الولايات المتحدة دولة مؤسساتية، يتم رسم سياساتها المستقبلية بدقة ولعقود مقبلة، ويتم تنفيذ تلك السياسات، بغض النظر عن الحزب الحاكم وعن شخصية الرئيس، وهذا لا يتعارض مع حقيقة أن هناك رؤساء أقوياء، من شاكلة الرئيس التاريخي ابراهام لينكولن، استطاعوا أن يتخذوا قرارات كبرى، أو يغيّروا قليلاً أو كثيراً في سياسات قائمة، دون أن يؤثّر ذلك في الخط السياسي العام، المرسوم سلفاً.
ولتوضيح خطأ الزعم بأن الحزب الجمهوري هو حزب الحرب والديمقراطي هو حزب السلام، مثلما نسمع في معرض نقد الرئيس أوباما، على سبيل المثال، في أنه لا يمكن أن يهاجم إيران أو غيرها عسكرياً، ويتم تبرير ذلك بأنه رئيس ديمقراطي! ثم تتم مقارنته بالرئيس جورج بوش الأب، الجمهوري، الذي شنَّ حرباً عاصفة على العراق في 1991 وبابنه جورج، والذي شنَّ حربين كبيرتين على العراق، وأفغانستان أعوام 2001- 2003، يحسن أن نذكر بأن أكبر حرب خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها كانت الحرب العالمية الثانية، وقد كان بطلها الرئيس الديمقراطي الشهير فرانكلين روزفلت 1932- 1945، كما يخفى عليهم أن القنبلة النووية استخدمت مرة واحدة في التاريخ، من قِبل رئيس أمريكي ديمقراطي، وهو الرئيس هاري ترومان 1944- 1952، وماذا بعد؟ أيضاً يردد بعض المعلّقين أن الحزب الديمقراطي هو حزب الأقليات، وخصوصاً السود، وهو أكثر قرباً للعالم الإسلامي، ولكن النظرة التاريخية الشاملة تؤكد أنه حصل تبادل مراكز أيدولوجي بين الحزبين خلال القرنين الماضيين، فالرئيس الذي حرَّر السود من العبودية، هو الجمهوري ابراهام لينكولن، والرئيس الذي وقف وقفة صارمة ضد العدوان الثلاثي على مصر، هو الرئيس الجمهوري، أيضاً، ديويت ايزنهاور، وثمة نقطة مهمة، وهي أن الحزب الجمهوري كان، وعلى مدى مائة عام (1860- 1960) هو حزب الأقليات، والسود، وكان حينها الحزب الديمقراطي هو حزب العنصريين البيض من الساسة، من شاكلة عضو الكونجرس الشهير، ثرقود مارشال، والخلاصة هي أن التصنيف الأيدولوجي والمواقف السياسية للدول، عطفاً على هوية الحزب الحاكم ليس دقيقاً، وينتج عنه تضليل متعمد أو غير مقصود للرأي العام.