العقيد م. محمد بن فراج الشهري
مع بداية حدوث وظهور الجائحة الفيروسية كورونا كوفيد 19.. كتبت مقالاً بعنوان (هل هو اختراع بشري أم عقاب رباني؟!). وتطرقت إلى العديد من الأمور في هذا الشأن والاستدلال بكثير مما مر عبر التاريخ من آثار (الحرب البايلوجية) مستعيناً بما درسته في مجال عملي وما درسته... وما كتب عن كوارث الحروب البايلوجية وأوردت كثيراً من أسرارها وقلت إنني لا استبعد أن يكون كورونا صنيعة أحد المعامل البايلوجية هنا أو هناك، أو أنه حصل خطأ ما، أو تلاعب في إحدى التجارب أدى إلى هذه الكارثة المهلكة، وذكرت تجارب سابقة قامت بها بعض الدول وجرّبتها من مخازن الحرب البايلوجية، ورغم ما تناقلته جميع وسائل السوشل ميديا حول نظرية المؤامرة والاتهامات المتبادلة بين بعض الدول المشكوك في أمرها.. إلا أنني وجدت من ينكر علي ما طرحت... وبعض الكتاب الذين اعتبروا ذلك توقعاً وهواجس غير صحيحة ولكن لو دققنا وتمعنا بتبصر لظهر لنا كثير من الخوافي التي كنا نتجاهلها، ومثل ما يقول المثل (ما فيه دخان من غير نار) والدليل على ذلك ظهور ثلاث ظواهر تحتاج إلى مزيد من الاهتمام والتقصي والبحث والرصد وهي: تكرار ظهور أوبئة فيروسية في الصين خلال السنوات الأخيرة، واشتداد الحرب الاقتصادية الأمريكية وظهورها بالعلن على شكل عقوبات وضرائب حماية جمركية في محاولة لإعادة توطين الصناعة الأمريكية وإغلاق الأسواق الأمريكية تدريجياً أمام البضائع الصينية، والظاهرة الثالثة هي بدايات توتر عسكري بين الصين وأمريكا مع تزايد الاحتكاكات في بحر الصين الجنوبي وبروز قضية جزيرة فرموزا (تايوان) من جديد مع استعراض صيني للقوة بمناسبة الذكرى السبعين للثورة الشيوعية، ولم تخفِ أمريكا قلقها وتخوفها من النمو السريع للقوة العسكرية الصينية بشكلها الجديد القائم على تقنيات صينية متقدمة. ففي مؤتمر ميونخ للأمن الذي اختتم أعماله في 16 فبراير الحالي وبعد تصريحات وزير الخارجية الأمريكي بومبيو ضد الصين، دعا وزير الدفاع الأمريكي المجتمع الدولي إلى الشعور بالقلق العميق من تطوير الصين للذكاء الصناعي، وأضاف أن التحدي الأمني الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية قد تغير ولم يعد روسيا بل تحول للصين، ثم عاد وصرح بأن الصين تحاول استكمال تحوّلها العسكري للهيمنة على آسيا وفرض نفسها قوة، وأضاف أن الولايات المتحدة لا تسعى للنزاع مع الصين، بل تسعى للعمل المشترك، وكان الرد الصيني أن صرح وزير خارجيها بأن الاتهامات الأمريكية للصين مجرد أكاذيب وأن بلاده تريد بناء علاقات وديّة مع الولايات المتحدة تقوم على الاحترام المتبادل، فماذا يتضح لنا من هذا التجاذب؟ إنها نذر صراع قادم بين صين تتمدد ودولة مسيطرة تريد الحد من طموحها ومحاولة إحكام طوق الحصار حولها، وهنا لابد من التركيز على ما يجري حالياً من سياق محموم بين الصين التي تحاول جاهدة لملمة جراحها وتجاوز تأثيرات فيروس كورونا الاقتصادي عليها وبين أمريكا التي تحاول التهويل من الأمر وانتهازه فرصة لحصار الصين والضغط عليها بقوة، ولذا فمن المهم دراسة هذه الحادثة ضمن إطارها الطبيعي العام من حيث ملابسات حدوثها وكيفية استثمارها.. ومن الملفت للنظر أنه في العقدين الأخيرين، أصبحت الصين نقطة البداية لأوبئة خطيرة، مثل إنفلونزا الطيور، ووباء سارس الخطير، وفيروس كورونا الجديد، فهل من المعقول أن نعتقد فقط أنه (أمر طبيعي) أم من الأولى أن نطرح احتمالات أخرى؟ فمثلاً قد تكون متسربة خطأ، أو مسربة عمداً من أحد المعامل المتخصصة، وإذا كان الأمر كذلك فهل هو معمل يتبع لدولة ما لتجربة آثاره الحقيقية أم أنه مجرد تصرف أرعن من شركة ما في مجال اللقاحات وتبحث عن الربح المجرد.. وبما أنها كلها احتمالات فمن المهم إلقاء الضوء على الاحتمال الأخطر حتى وإن كان مستبعداً، الاحتمال الأخطر أن يكون مصدره دولة لديها برنامج بايولوجي للأغراض العسكرية، ولذا فمن الضروري معرفة أهم الدول التي لديها برامج متطورة في الحرب البايولوجية، وهي (أمريكا، وروسيا، والصين، واليابان، وكوريا الشمالية، وألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وإسرائيل)، وقد تكون هناك دول أخرى تمتلك برامج سرية. ومعامل الحرب البايولوجية هي من أقذر المعامل، وهذا السلاح يعد من أرخص الأسلحة وأكثرها دماراً، والممارسات على مر التاريخ تؤكد أنه سلاح استعمل قديماً، فمثلاً تلويث مصادر المياه بالسموم أو بالجثث المتعفنة، أو الحاملة لأمراض خطيرة، وكان معروفاً منذ زمن لكن المانع من استعماله غالباً يدور حول عدم إمكانية التحكم فيه...؟! وحتى الآن لا نعرف مصدر هذا الوباء، وما يدور بين أمريكا والصين سفسطائية تحاكي الجدل البيزنطي (الدجاجة أم البيضة جاءت أولاً) فهل هو نتيجة إهمال صيني أم بيولوجي أمريكي؟ خصوصاً أنهما يشتركان في صمت من صرخ طالباً النجدة وحذر من تفشي الفيروس، الطبيب الصيني (وينليانج) الذي كان أول من حذر من انتشار الفيرس في الصين، والقبطان الأمريكي بريت كروزير الذي أقاله ترمب، بسبب إعلانه إصابة بحارة أمريكان على متن حاملة الطائرات الأمريكية (يو إس إس تيودور رزوفلت)، والحديث يطول ويطول عن هذه الجائحة ومن المتسبب والأسئلة لا تتوقف والأجوبة مختلفة ومتشابكة والعالم في حيرة كبرى. لذلك وفي الختام أقول قول الشاعر العربي:
ستُبْدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلاً
ويأتيكَ بالأخبارِ من لم تزوِّدِ
ويأتيكَ بالأنباءِ من لم تَبعْ له
بَتاتاً ولم تَضْربْ له وقتَ مَوْعدِ
حمانا الله وإياكم وبلادنا وعموم بلاد المسلمين، والعالم شر هذه الكارثة، وأخرجنا منها على خير إنه سميع الدعاء مجيب لعباده الضعفاء.