عبدالعزيز السماري
ستتغير أشياء كثيرة بعد وباء كورونا، فالحياة ما بعد الوباء الفيروسي ستختلف بعد ما زرعوا الخوف داخل عقول الناس، ولن تمر بعد الآن أعراض الزكام والإنفلونزا مرور الكرام، والتي لا تختلف عن أعراض كورونا كثيراً، وهل هي كورونا أم لا، وسيدخل غطاء الوجه أو لبس الكمامة عالم الرجل، وقد تخرج أزياء جديدة وألوان مختلفة، وقد تبدأ مفاهيم عملية للنقاب، وستشمل الرجل في سابقة تاريخية..
أيضاً سيكون هناك تأثير سلبي على الحياة الاجتماعية، فالتباعد سيضرب طوقاً على الاجتماعات العائلية وغيرها، وقد نكون أسرى للاجتماعات عبر المجال الافتراضي، وقد كانت بالفعل الكاسب الأكبر في معضلة وباء كورونا، وقد نحتاج إلى زمن غير قصير من أجل العودة إلى ما كنا عليه من طمأنينة.
لكن ذلك لا يعني مطلقاً أن هذا الوباء خطير، كما أرادوا له أن يكون، فهو وباء فيروسي عابر، ولا يختلف عن الإنفلونزا، وقد أثبتت الدراسات ذلك، وأبحاث تشريح الوفيات، لكن الخطاب السياسي تجاوز العلمي لأول مرة، وكانت النتيجة حجر عالمي قد يطول، وقد يقصر، ويعتمد ذلك على قدرة العلماء على كشف الحقيقة.
من مكاسب هذه الأزمة أن العلم تحرر من المركزية الأمريكية أو الغربية، فقد ظهر للعالم الوجه الاقتصادي الشرس خلف مصالح الأوبئة، مثلها مثل الحروب، دائمًا ما يكون الغائب الأكبر هو الحقيقة، لكن مع ذلك تأثرت مركزية أمريكا في قيادة الأبحاث والاكتشافات، فقد أدرك العالم أن عليه أن يتأكد من الحقائق الطبية قبل الأخذ بها.
ربما تتغير أشياء أخرى في التفكير العلمي، فقد ساهم نجاحات بعض الأدوية القديمة مثل علاج الملاريا في فهم أكثر لكيفية عمل الأدوية في الخلايا، وقد يفتح أبوابًا إذا ساهمت الأبحاث المستقلة في استخدامه تحت بند البحث العلمي في مكافحة الفيروسات الأخرى..
كذلك قد يغير لقاح الدرن بعض المفاهيم المحدودة عن مناعة الإنسان، فقد بينت الدراسات أن الدول التي فرضت لقاح الدرن أقل وفيات من غيرها، وهو ما يعني أن الجهاز المناعي لا يتعامل مع اللقاح بمنهجية فردية، ولكن بإعادة برمجة ضد الغزات من مختلف الجراثيم.
يحتاج البشر أن يعود العلم إلى مساره الطبيعي، وإلى أن يعمل العلماء مستقلين عن دعم الشركات، وهو ما يجعل من الاكتشافات في خدمة العلم والمجد الشخصي، وليس لزيادة أرباح الشركة، وقد نحتاج في المستقبل إلى أدوية أقل، وربما إلى لقاح واحد لمختلف الأوبئة..
ستتغير الحياة بعد الوباء الذي أخذ أكبر من حجه لأسباب لا نعلمها، وقد نحتاج إلى عقود لفهم لماذا أشعلوا نيران الخوف في العالم، وعطلوا الاقتصاد، وأوقفوا الحركة والحياة في مختلف أنحاء العالم، هناك أسرار قد لا تظهر، ولو ظهرت ستختفي في مرافعات نظرية المؤامرة، والتي تحولت إلى شماعة لتعليق المشانق للأخبار الحقيقية والكاذبة على حد سواء..