د. محمد عبدالله العوين
اضطرت الدولة إلى اتخاذ عدد من التدابير الاقتصادية (المؤقتة) لمعالجة تداعيات أزمة كورونا (العالمية) التي ألقت بظلالها الكئيبة على كل دول العالم، فزادت ضريبة القيمة المضافة من 5 % إلى 15 % وألغت بدل غلاء المعيشة.
وقريباً منا اتخذت بعض الدول الخليجية خلال الأيام الفائتة قرارات أشد صرامة مست رواتب موظفيها والانتدابات والأعمال الإضافية وعددًا من البدلات والترقيات والتكليفات، وزادت الضرائب على بعض الخدمات ونحو ذلك.
ولا شك أن هذه الإجراءات ثقيلة على المواطن أياً كان وفي أي بلد، والدولة التي تتخذها -وبخاصة دول الخليج التي تعوَّد مواطنوها على الرخاء- لا تقدم عليها مختارةً؛ بل مضطرة مكرهة حين لا يكون مفر ولا سبيل آخر لمعالجة أزمة اقتصادية طارئة؛ كما هو شأن العالم مع كورونا.
وفي هذه الأشهر الثلاثة المنصرمة صادف هبوط شديد في أسعار النفط؛ في البدء كان نتيجة إغراق روسيا الأسواق بنفطها مخالفة اتفاق دول أوبك و(أوبك بلاص) الذي تم الإجماع عليه 2017م وأعيد التأكيد عليه لاحقاً في مناسبات ومؤتمرات وزيارات عدة بين مسؤولين من المملكة وروسيا.
وفي مؤتمر فينا الأخير قبل أن يطل على العالم فيروس كورونا بوجهه الكالح من مدينة يوهان بأسابيع قليلة أصرت روسيا على سلوكها في إغراق السوق؛ لحاجتها - كما تزعم - إلى دخل شهري يصل إلى 90 مليار دولار يغطي مشروعاتها ونفقاتها العامة، وأدى هذا إلى انهيار اتفاق 2017 انهياراً تاماً تداعى بعده سعر البرميل من 56 إلى 18 دولاراً، وتبعه انهيار النفط الصخري الذي تنتجه أمريكا بحيث أصبح إنتاجه يكلِّف خسائر باهظة؛ لأن كلفته تفوق إنتاج النفط التقليدي خمس مرات تقريباً.
ولم تمض أيام قليلة على قلق المنتجين من تراجع أسعار النفط حتى فاجأ كورونا العالم بخروجه عن السيطرة في موطنه الأصلي؛ لينطلق بشراسة وقوة اندفاع خطيرة مكتسحاً الحدود ومحطماً الحواجز ومدمراً حركة الاقتصاد وموقفاً النشاط الإنساني والتواصل بين الحضارات والشعوب ومشكِّلاً عزلة حادة ثقيلة ومملة بين البشر داخل الدولة الواحدة وبين الدول في الكرة الأرضية.
وتداعى الاقتصاد العالمي، فتوقفت مصانع، وتجمّدت حركة المواصلات التي تنقل البضائع في البحر والبر والجو، وتبع ذلك استغناء كثير من الشركات والمصانع والدوائر الحكومية في عدد من دول العالم عن ملايين الموظفين، فشاعت البطالة في أمريكا وأوروبا وغيرهما، وتوجهت الدول الكبيرة والصغيرة والغنية والفقيرة الموبوءة بالجائحة - ولا أحد لم يمسه الفيروس بناره - إلى تسخير كل مقدراتها المالية لمواجهة الوباء؛ ففتحت خزائنها وأنفقت المليارات، دعماً للشركات المتوسطة والصغيرة التي يخشى عليها من الانهيار، وأنفقت مبالغ طائلة للمعالجة والفحص والإيواء.
وهذا ما عملته دولتنا؛ فقد أنفقت بسخاء مليارات الريالات في الوقت الذي انهار فيه ثمن البترول وتراجع إلى 18 دولاراً.
وأمام وضع اقتصادي صعب كهذا كان لا بد من الحد من الإنفاق غير الضروري أو القابل للتأجيل، واتخاذ التدابير التي أعلن عنها بصفة مؤقتة للخروج من هذه الأزمة.
{إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}. أزمة وستنفرج قريباً بإذن الله.