فوزية الجار الله
ليكن حديثنا اليوم بسيطًا بلا مقدمات أو معادلات حسابية معقدة. ليكن حديثنا اليوم رشيقًا لطيفًا، نتخفف به من هموم السياسة التي لا أجد نفسي في تفاصيلها، ولا أحلم يومًا بارتياد دهاليزها أو التشبث بحبالها. ليكن حديثنا اليوم محاولة للاسترخاء بعيدًا عن ضجيج هذا العالم الذي أصابه فيروس كورونا بأزمة، تصدعت لها أنحاؤه شرقًا وغربًا. ليكن حديثنا اليوم خفيفًا، يناسب قدر الإمكان نقاء وخفة هذا الشهر الكريم «رمضان».
** تلقيت اتصالاً ذات ظهيرة، خلال الأيام القليلة الماضية. رأيتُ الرقم يرتسم على شاشة هاتفي الجوال دونما اسم مرافق؛ هذا يعني أنه لم يكن مسجلاً لدي، لكنه مشابه تمامًا لرقم أحد الأقارب ضمن الدائرة الشخصية للمعارف؛ لذا فقد أجبت. بلغني الصوت من الطرف الآخر بلغة عربية مخلخلة، تتعثر بحروفها المتكسرة. بعد التأكد من اسمي الكامل، قال:-
بطاقتك البنكية تحتاج إلى تحديث!
في تلك اللحظة تبيّنت لي شخصية المتصل تمامًا. الأمر لا يحتاج إلى ذكاء، لكن أصبح لدي خبرة كافية حول أولئك المارقين المحترفين الممتهنين للنصب. غالبًا يلجأ أولئك إلى الرسائل النصية، لكن يبدو أن هذا الرجل على عجلة من أمره، ولا جلد له على الانتظار للرد الذي قد يأتي وقد لا يأتي. قلت فورًا: حسبي الله ونعم الوكيل. في رمضان أيضًا!.. ويبدو أن الرجل ولشدة تركيزه على هدفه لم ينتبه لعبارتي، ربما ظن أن عبارتي تتضمن استنكارًا لحدوث هذه المشكلة في بطاقتي البنكية في هذا الوقت غير المناسب؛ لذا فقد أجاب: أعرف أننا في رمضان، لكن لا بد من تحديث بطاقتك. ويبدو أن تصوره الخاطئ بأنني أصبحت في حالة من التصديق والانقياد له، وأنني في غاية السذاجة، وأنه استطاع خداعي، قاده إلى أن يردف بسؤال عن رقم بطاقتي!
عندها أخذت نفسًا عميقًا، وقد عادت إلى ذاكرتي بلمح البصر صور المخادعين والنصابين واللصوص، وحيلهم الدنيئة، وضرورة التصدي لهم، وأنني لا بد أن أسمعه كلمة توقفه عن غيه. ولأننا في شهر كريم فقد حاولتُ قدر الإمكان البحث عن كلمة تقريع جامعة مانعة لا تجرح قداسة الشهر قدر الإمكان. قلت له: «يا..» رددتها ثلاث مرات. فإذا به يردها عليّ! الأمر الذي جعلني أستغرق في الضحك من أعماقي بعد انتهاء المحادثة بمنتهى الارتياح لأمرين: غبائه أولاً، وأن الله ألهمني في تلك اللحظة قدرة للرد عليه بما يناسب دناءته ولصوصيته، هذا ثانيًا.
نهاري نهارُ الناس حتى إذا دجا
ليَ الليل ملَّتني هناك المضاجعُ
أُقضِّي نهاري بالحديث وبالمنى
ويجمعني والهمّ بالليل جـامعُ