حسن اليمني
جرثومة لا تُرى بالنظر المجرد، تدخل كوكب الأرض فتجتمع جيوش الصين وروسيا وأمريكا وحلف الناتو بكل قضيضه والدول كافة المتحالفة معهم لمواجهة هذا العدو وحين شعروا بالعجز أمامه تقاذفوا الاتهامات بالتواطؤ والخيانة.
بديهي أن يؤول العاجز ضعفه وعجزه لخبث الشيطان القابع في النفوس لدى الخصوم فتظهر ملامح المؤامرة غير أن استفحال الخطر في الخصوم يجعل مثل هذا التأويل سخفاً يخجل منه العقل, لكن هل يخلو العالم من جنون الشر الكامن في النفس البشرية حين يُسخر لها الإمكانات للبحث والتجريب فتخرج عن سيطرتها آثام صنع يديها لترتد عليها؟ علمياً ومنطقياً لا شيء من لا شيء, وواقعياً يعلم الجميع أن لدى مصانع الأسلحة البيولوجية والجرثومية تجارب وابتكارات ملعونة، وبالعقل يدرك أن الخطأ وارد.
لقد سيطر على العالم الغزو «الكوروني» وحكم العالم اليوم وما عاد الحديث يبحث الأسباب بقدر ما يتلهف العلاج والنجاة، فما تعرض له كوكب الأرض والخلق البشري فوقه من مخاطر في الصحة وكساد في الاقتصاد وعجز في المواجهة والوقاية أغلق أبواب اللوم والبحث عن نائب إلى التكاتف والتعاون طرقاً للنجاة، وصرنا نشاهد دول حسبناها بلغت من العلو في الوفرة العلمية والصحية والتقنية مبلغه تئن اليوم تحت وطأة جرثوم حقير أخرج مكامن التخلف المدفون رهط من الزمن في أمم كان كثير ممن في عالمنا الثاني أو الثالث يراها مثال التحضر والرقي، وكم كان كثيراً منا يجلدنا بتخلفنا وتأخرنا عن اللحاق بتلك الأمم الراقية حسب نظرتهم، وكم كنا نشعر كثيراً من الأحيان بشيء من التأنيب والشعور بالدونية نظراً لما نراه ونسمعه وترسخه في أذهاننا تلك التلميحات الاستعلائية، خاصة من بعضنا الذين انسلخوا من جلودهم هروب من الرجعية والتخلف والتأخر واليوم يخرسون.
إن أعظم ما يمكن أن يخرج به المراقب لمشهد العالم اليوم وهو يصارع بكل ما يملك من علم وقوة جرثوم أصغر وأحقر من أن يُرى بالنظر المجرد يظهر في الإقرار الخفي للنفس البشرية مهما كانت معتقداتها ودياناتها بالضعف والعجز أمام القدرة والقوة الكونية وحاجتنا جميعاً مهما اختلفت اثنيتنا وجذورنا لبعضنا البعض، وإذا سلّمنا بقدوم فيروس «كورونا» من الفضاء واتحدنا لمواجهته فماذا عسانا أن نفعل حين تنفجر قنبلة نووية أو يتصدع مفاعل نووي وينتشر على سطح الأرض، واجهت روسيا مفاعل «تشيرنوبل» واستطاعت أن تحصر أضراره بمساحة تقارب (360) كيلومتراً مربعاً معزولاً حتى اليوم، وراح ضحيته أضعاف أضعاف ما خلف «كورونا» حتى اليوم.
كيف سيواجه العالم تفجير نووي حدث بعمد أو خطأ؟ إذا بهتت الألسن عن الإجابة فلماذا يحتفظ بمثل هذه الأسلحة حتى اليوم وهو يعلم علم يقين أنها لا تفرق بين عدو وصديق؟ «كورونا» لطيف جداً فهو لا يؤذي إلا من خلال اللمس، لكن الانفجار النووي يستهدف الهواء على الأرض فأين نفر؟ يعتمد الإنسان على قوته وقدرته في التحكم بالمفاعل النووي وزلزال يخلخل الأرض تحت المنشأ النووي قادر على دفن الإنسان في أوهامه بثوانٍ معدودة أفلا يمكن اليوم إعادة النظر والبحث عن علاج ووقاية من شر السلاح النووي قبل أن يأتي فجأة؟ ألا يكفي ما نعيشه اليوم في مواجهة جرثوم حقير وانكشاف عجزنا لنسبق قدر شر أنفسنا في مرابط الموت والهلاك المنتشرة على الأرض بصنعنا وتحت نظرنا؟ أعتقد أن أكبر إنجاز يمكن أن يحققه عالم اليوم المتقدم تقنية وعلوماً هو في إنتاج مفاعل مضاد للسلاح النووي الذي لا يشكل معه جرثوم «كورونا» شيئاً يذكر في خطورته وقوته التدميرية على الإنسان.