رجاء العتيبي
علينا أن نعرف أن التابوهات الثلاث (الجنس، السياسة، الدين) ليست من عناصر الدراما، في الوقت الذي يتناسى فيه العمل الدرامي محليًّا وإقليميًّا وعربيًّا العناصر الرئيسية مثل: الصراع، تطور الشخصيات, تطور الحدث, المفاجآت, التشويق, الضرورة والاحتمال..
التركيز على التابوهات الثلاث لا يدرج العمل ضمن الأعمال الدرامية, حتى قالوا عنه دراما؛ لأنها تنطلق من منطلقات أيديولوجية، سواء كانت يسارية أو يمينية.
والأشهر أن التابوهات الثلاث جاءت من وضع (المنتج التاجر)، وليس من وضع الفنان. التاجر يريد أن يبيع, وهي أكثر الأساليب مبيعًا وإثارة للمشاهدين. لعب على وتر العواطف والصراعات والأيديولوجيات. أما إذا قالوا (نوصل رسالة) فهنا يسقط العمل؛ لأن الفن لا يحمل رسائل توعوية ولا توجيهية ولا إرشادية, ولا أفكارًا أيديولوجية؛ الفن أكبر من ذلك: يؤسس للجمال, يثري الحياة.. الفن حالة فرح، يسمو فوق الغرائز والخداع والأيديولوجيا. يمكن للتابوهات الثلاث أن تكون موضوعًا للعمل الدرامي، ولكن لا تكون (عنصرًا) رئيسًا يقوم العمل عليه وحده، ونهمل ما عداه من فنون الدراما وعناصرها وجماليتها.
المتتبِّع لبعض الأعمال يشاهد أعمالاً (سياسية، أو تاريخية، أو اجتماعية)، من دون أن تكون داخل (البناء الدرامي) المعروف, مجرد قضايا تناقش بشكل (تمثيلي) لا أقل ولا أكثر.
الدراما ليست مؤتمرًا ولا ندوة ولا محاضرة حتى تطرح موضوعات للنقاش. لا تعني إثارة الجدل أن العمل متفوق دراميًّا إطلاقًا. ولو دققنا النظر في النقاشات سنجد أنها نقاشات في الموضوع، وليس في الجوانب الفنية، وكأننا أمام مؤتمر، كلٌّ يبدي رأيه، ووجهة نظره. فَرْق كبير أن يكون الجدل حول (الموضوع)، أو يكون حول (الجمال).
الأعمال السياسية بالضرورة هي أعمال (موجَّهة). والعمل الموجَّه يسقط فنيًّا.
والأعمال الاجتماعية التي تناقش هموم الناس أعمال إرشادية. والأعمال الإرشادية تسقط فنيًّا.
والأعمال التاريخية البحتة أعمال (تعليمية وموعظية). والعمل التعليمي الوعظي يسقط فنيًّا.
قديمًا عند الأدباء والفلاسفة العرب أخفقوا في نقل نظرية الدراما عند أرسطو, ترجموها تارة بالتشبيه، وتارة بالتقليد، ما عدا القرطاجني الذي اقترب منها قليلاً، وترجمها بالتخييل. وما زالت أزمة المصطلح قائمة عند العرب حديثًا حتى اليوم, ونتائجها أعمال درامية محرفة عن الدراما بمفهومها الأرسطي.