د. محمد بن عبدالله آل عمرو
أغلب الظن أنه لم يكن في حسبان أحد يوماً ما حتى في مراكز التنبؤ واستشعار المستقبل أن تكون تقنية الاتصالات المعلوماتية هي الخيار الوحيد الذي لا مناص منه، للقاءات والاجتماعات الرسمية السرية والعادية، وللمحاضرات الجامعية والفصول الدراسية والاختبارات، وللندوات الأدبية والدورات التدريبية ونحوها في معظم أرجاء العالم، غير أن فيروس كورونا «كوفيد19» قد فعل فعلته في إيقاف عجلة الحياة الطبيعية طواعية في لحظة استسلام عن عجز ووهن غير مسبوقة من جميع دول العالم.
فأما الدول التي تضمنت خططها التنموية منذ وقت مبكر التركيز على الاستثمار في تقنية المعلومات فأنشأت البنى التحتية لتقنية المعلومات في أرجاء البلاد، وأنشأت المحطات والمدن التقنية، ثم بنت البرامج والتطبيقات، وحرصت على الأخذ منها بكل جديد، وحثت جميع الكيانات العامة والخاصة فيها على حوكمة أعمالها، فقد تفادت كثيراً من مخاطر التوقف القسري للحياة الطبيعية بفعل فيروس كورونا بقدر ما بنته وأنجزته في مجال تقنية المعلومات، وأما تلك التي أهملت هذا الجانب المهم في برامجها وخططها التنموية فستواجه حتماً كثيراً من الخسائر والتحديات لتجاوز آثار هذا التوقف القسري للحياة الطبيعية.
وتعد المملكة العربية السعودية من الدول السباقة منذ وقت مبكر إلى الاستثمار الواسع في بنى تقنية المعلومات، متقدمة في ذلك على كثير من الدول حتى تلك المصنعة للتقنية، فقد حققت المركز (38) في مؤشر تبني تكنولوجيا المعلومات، وذلك في تقرير التنافسية العالمية 2019م.
وقد عَظُمَت الاستفادة من هذا المنجز حينما تمكنت المملكة من عقد أول قمة افتراضية دولية لقمة دول العشرين، وقد تم تشغيلها تقنياً بأيدي مختصين سعوديين بنجاح منقطع النظير، كما بدأ مجلس الوزراء في عقد جلساته افتراضياً، كما بدأ مجلس الشورى بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين بعقد جلساته الأسبوعية بشكل افتراضي، حيث يجتمع (150) عضواً من مختلف مدن المملكة تحت قبة افتراضية بمساحة المملكة.
أما تطبيق أبشر والتطبيقات الأخرى للوزارات والمصالح الحكومية الأخرى فقد يسرت على المواطن والمقيم تنفيذ خدماتهم المعتادة من منازلهم دونما تأخير أو صعوبة تذكر، إضافة إلى إتاحة بعض الخدمات المهمة التي تطلبتها ظروف الجائحة.
واستطاعت وزارة الصحة تقديم العديد من الخدمات الصحية والاستشارات الطبية من خلال حزمة من التطبيقات الإلكترونية كان لها الأثر الكبير في تخفيف حاجة المرضى لزيارة المستشفيات والمراكز الصحية، وكذلك توفير جهد ووقت الممارسين الصحيين والتركيز على مواجهة جائحة الفيروس.
وإن من الفوائد العظيمة للاستثمار السعودي في مجال تقنية المعلومات ما يتعلق بالجانب التعليمي، فلولا أن وزارة التعليم بفرعيها العالي والعام تمتلك عدة قنوات تقنية مكنتها من استمرار العملية التعليمية عن بُعد، لما استطاعت أن تتجاوز بطلابها الآثار السلبية للتوقف القسري للدراسة.
وقد تابعت كغيري من أولياء الأمور حضور أولادي دروسهم اليومية عن بُعد، وظهر لي أهمية قيام الأسرة بواجبها تجاه متابعة الأولاد وتيسير استفادتهم من القنوات التقنية المتاحة، والحقيقة أن منصة البلاك بورد في الجامعات أكثر جودة وفاعلية من قنوات التعليم العام بما تحويه من ميزات متعددة وفي مقدمتها التفاعل بين الأستاذ وطلابه، ولعل هذه التجربة الناجحة إلى حد كبير تكون حافزاً للوزارة لتطوير وتجويد القنوات الافتراضية للتعليم العام مستقبلاً، واستدراك بعض الملحوظات المهمة مثل، تجويد المهارات التدريسية لدى المعلمين، والتصميم الموحد لقاعات التدريس، وجودة التصوير والإضاءة ومهارات الإخراج، وأن تكون الدروس الافتراضية تفاعلية بين المعلمين وطلابهم.
وقد استطاعت القطاعات الخاصة تسيير أعمالها المهمة، خاصة ما يتعلق بمصالح المواطنين والمقيمين من خلال العمل عن بُعد اعتماداً على البنى التحتية لتقنية المعلومات.
ومن المتوقع أن تكون تجربة الحياة الافتراضية في عهد فيروس كورونا (كوفيد19) انطلاقة لثورة معلوماتية جديدة، فيها الكثير من الإبداع والابتكار الذي ربما لم يخطر على بال أحد من قبل.