أ.د.عثمان بن صالح العامر
من المصطلحات التي شاعت وراجت هذه الأيام مصطلح (الضرر)، فبعد أن كان هذا المصطلح وما ماثله خاصاً بالفقهاء والأصوليين وطلبة العلم المتخصصين صار اليوم في متناول العامة وأنصاف المثقفين، والسبب الذي ولَّد هذا التحول في التعاطي مع كثير من المصطلحات النخبوية جائحة فيروس كورونا، إذ إن كثيراً من القرارات التي اتخذت من قبل ولي الأمر تندرج تحت القاعدة الفقهية الكبرى المعروفة (الضرر يزال) والتي ينبثق عنها قواعد فقهية فرعية عدة كلها تستند على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار)، ومن هذه القواعد الفرعية:
- الضرر لا يزال بمثله أو أعلى منه.
- الضرر يدفع قدر الإمكان.
- تدفع أعلى المفسدتين بارتكاب أدناهما.
- درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح.
ومما قرَّره علماء الأمة وفقهاؤها أن أمر تقدير الضرر المجتمعي ومعياره موكل لولي الأمر، وليس لأحد أن يتعدى على هذا الحق أو يقفز عليه، والالتزام بما يصدر الحاكم من قرارات عامة مؤقتة أو دائمة - مبنية على تقديره لحجم الضرر العام ومقداره - واجب على الجميع، خلاف الضرر الخاص بكل فرد من أفراد المجتمع، فعلى الصحيح أن أمر تقديره يرجع لمن حلَّ به على ألا يكون أثر ما يقرّره إزاء رفع هذا الضرر يتعداه لغيره أو يلحق الضرر بالآخرين.
ومتى تعارض ما تعتقد أنه ضرر بالنسبة لك مع الضرر العام قدّم ما اتخذ من قرارات صدرت من ولي الأمر على قرارات الشخصية، إذ إن المصلحة الجماعية مقدَّمة على الفردية في الشريعة الإسلامية.
قد يكون هذا الحديث والتوسع فيه من أحاديث الخاصة، ولكنني عرضت له في هذا المقال بإيجاز لأبيِّن ثلاثة أمور مهمة في ظرفنا التي نحياه، ألا وهي:
- كمال الشريعة الإسلامية وصلاحيتها لكل زمان ومكان.
- حرص ولاة أمرنا في هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية على جعل المرجعية في كل ما يصدر عنهم من قرارات وتوجيهات الكتاب والسنة وما أثر عن سلف الأمة من فتوى وقواعد فقهية، ولذلك كان من مولاي خادم الحرمين الشريفين وسيدي ولي العهد الأمين عرض الأمر المستجد أياً كان على أنظار هيئة كبار العلماء للنظر فيه ومدارسته ومن ثم إعطاء الفتوى الشريعة حوله قبل أن يصدر إزاءه التوجيه الكريم سواء أكان مرسوماً ملكياً أو أمراً ملكياً أو توجيهاً ونظاماً، ومن هذا الباب كان ما يُسمى بفقه النوازل الذي يوجب لمن ينبري له معرفة الدليل من الكتاب والسنة، وفهم الواقع الحادث، وتقدير حجم الضرر المتولِّد عمَّا جدَّ من حال.
- التأكيد على وجوب التزام الجميع بما يصدر من قبل ولي الأمر أو من ينيب في هذه الجائحة أو غيرها، نفعل هذا الأمر - حتى وإن كان فيه على البعض منا ضغط وعنت - (ديانة لله، وطاعة لولي الأمر، وحرصاً على المصلحة الجماعية والعائلية، بل حتى الذاتية) رفع الله -بعزته وجلاله ورحمته وقدرته- الوباء، ودفع البلاء، وأزال الغمَّة، عاجلاً غير آجل، إنه على كل شيء قدير، وإلى لقاء، والسلام.