جاءت جائحة كورونا لكي تفرض نفسها وبقوة كتحدٍّ أمام كلِّ دعاة التطوير والابتكار ورُوَّاده، في جميع المجالات الحياتية، ولقد ظهرت لتقول لكل المتخصصين: «عليكم الدفع بتحريك المياه الراكدة، وابتكار الأساليب والاستراتيجيات المناسبة والملائمة لمواجهة تلك الجائحة حتى تسير عجلة التقدم التعليمي والعلمي والاقتصادي».
وفي ظل الارتكاز على المنظومة التقنية والتكنولوجية في إدارة وتسيير شؤون البلاد، ما أحوجنا اليوم لتعزيز ممارسات المواطن الرقمي الصالح وأداءاته التي نادينا وننادي بها على الدوام، لما لهذه الممارسات من إيجابيات جمة في مواجهة حالات التنمر والإرهاب الإلكتروني التي تظهر بين حينٍ وحين، وللقضاء على الجرائم الإلكترونية والحد منها والتوعية بها، ولتحقيق التجارة الرقمية السليمة والآمنة، ولتوعية الأجيال بالسلامة والصحة الرقمية.
ومع الاهتمام بالتعلم الإلكتروني والتعلم عن بعد ونجاحهما في عدة مجالات، أصبحا اليوم الفكر المسيطر على القيادات التربوية والتعليمية في المملكة العربية السعودية الذين أثبتوا قدراتهم وإمكاناتهم القوية في إدارة الأزمة واستمرارية العملية التعليمية باستثمار كل الوسائل التقنية وتجاوز أقل الخسائر الفنية والاقتصادية.
ومما لا شك فيه أن طبيعة البشر لم تتغير عبر التاريخ مع ظهور التقنيات الرقمية، لكن قطعًا نقول: إن الرقميات أثرت في هوية الفرد وذاتيته وصورته عن المستقبل وعلاقاته بالآخرين، فالهُوية الشخصية في العالم الرقمي ما هي إلا حزمة من العلاقات والعادات تنحصر في التطبيق الرقمي الذي يستخدمه الفرد، وإذا كنا نتحدث عن تشكيل صورة حسنة للفرد وسط بيئته ومجتمعه (السمعة المجتمعية)، فاليوم جاءت السمعة الرقمية لتشكل واقعًا سهلا للمعنيين، وأصبح كل سلوك للفرد في البيئة الرقمية يسجل نقاطًا في حصالة سمعته الرقمية.
وفي هذا الإطار يشير «إريك شميت» المدير التنفيذي لشركة جوجل، إلى أن العصر الرقمي الجديد هو مستقبلنا وهو المفهوم المستقبلي للهُوية الوطنية والمواطنة. لهذا فنحن في أمسِّ الحاجة للتعرف إلى مجالات المواطنة الرقمية ونشر ثقافتها لتشكل سياسة وقائية تحفيزية: وقائية من مخاطر الرقميات، وتحفيزية لاستخدامها استخدامًا ذكيًّا وسليمًا.
وفي هذا السياق أعد الكاتب دراسة بحثية للكشف عن مدى توافر قيم المواطنة الرقمية المتضمنة في مقرر الدراسات الاجتماعية والوطنية للصف الثالث المتوسط، حيث أظهرت نتائجها في مجملها العام توافر بعض قيم المواطنة الرقمية بدرجة منخفضة جدًّا، وتلاشي المقرر لمجموعة كبيرة من تلك المفاهيم والقيم، إضافة إلى جهود عديدة للباحثين والمتخصصين الذين أشاروا إلى أهمية المواطنة الرقمية وضعف بعض المقررات الدراسية؛ لتعزيز مفاهيمها لدى الطلبة.
الأمر الذي يدعو أصحاب الاهتمام للتركيز على المواطنة الرقمية موضوعًا يعالج العديد من القضايا الشائكة في ظل سيطرة العالم الرقمي والتعامل اللحظي للفرد مع التقنيات باختلاف أشكالها، من هنا سنتوقع أن نكون أمام سيناريوهات ابتكارية عديدة بعد جائحة كورونا، أهمها: الاهتمام بتصميم مقررات للمواطنة الرقمية، أو تضمينها بقوَّة في المقررات الدراسية والأنشطة التعليمية المختلفة، وصولا لتحقيق الأمن والسلامة والرفاهية للمواطن السعودي، وتحقيقًا لحالة التكيُّف والانسجام مع دوائر التنافسية العالمية.