د.عبدالعزيز الجار الله
الحديث عن التاريخ القديم هو نوع من النبش الرائع في الأمس البعيد والذاكرة، والأستاذ الدكتور سليمان الذييب أستاذ الكتابات واللغات القديمة يعتبر آخر جيل الكتابات في الجزيرة العربية، بعد أن تراجعت الجامعات عن تدريس التاريخ والآثار والكتابات، باعتبار أن سوق العمل لم يعد يحتاج إلى هذه التخصصات، فأبقت الجامعات على هذه التخصصات لكن لأحد من الطلاب والطالبات يقبلون عليها.
في الحوار الذي أجراه عبدالله المديفر ببرنامج الليوان مؤخرًا مع د. سليمان الذييب كشف لنا جانبًا آخر من شخصية د. الذييب التي تتميز بالرصد والربط والتحليل العميق وقدرته على المحافظة على الخط والفاصل الرفيع بين حضارتين شمالية وجنوبية، وبين إقليمين تكوين جغرافي مختلف صحراء وسهوب في الشمال، وجبال وهضاب في الجنوب، لكن د.الذييب لا يبقى على هذا التوازن القديم شمال وجنوب، بل دخل في عمق معادلة أخرى هي غرب الجزيرة وشرقها، وهي تكاد تكسر نظريات حضارية قديمة أن الحضارة انتقلت من اليمن إلى الشام أو النظرية الأخرى التي تقول إن الحضارة انتقلت من الشمال إلى الجنوب، لن نخوض في هذه الجدلية، الدكتور الذييب أعطانا مساحات للتفكير العميق في الغرب والشرق داخل الجزيرة، وفي إشارة قال إن العلا والحجر ومدين فتحت له أبواب المعرفة العميقة.
الملفت أن د. الذييب على مسافة متقاربة بين الممالك العربية الشمالية والجنوبية، يتحدث عن ممالك عاشت قبل الإسلام منها عاش زمن الألف الأول قبل الميلاد أي قبل (3) آلاف سنة من الوقت الحاضر، وربما الألف الثاني، وحضارات تعود إلى (8) آلاف سنة، مثل هذه البانوراما التاريخية والمعلوماتية لا يجب أن تتوقف وتطوى بعد خروج الشخصيات من المشهد العلمي، لأننا سنندم كثيرًا على ابتعاد علماء هم حراس التاريخ الذي نشعر أننا بحاجة إليهم، والأمم غير العربية تتكالب علينا تريد أن تجردنا من العروبة والتاريخ والحضارة، وأن لا تاريخ إلا تاريخ الرومان وبيزنطة والفرس والترك.
سليمان الذييب ومعه جيل من العلماء أهملت الجامعات تخصصاتهم، أيضًا تصنيفهم الوظيفي ضائع بين ثلاث وزارات: الثقافة والسياحة والإعلام.