تُشير دراسات السلوك الاقتصادي إلى أنه على الرغم من أن ارتداء قناع الوجه يعتبر من إجراءات السلامة الاحترازية، فإنه قد يجعل التواجد في مكانٍ عامٍ (وهو تصرفٌ محفوفٌ بالمخاطر) يبدو وكأنه أقلّ خطورةً، ومن المحتمل أن يقلِّل الناس من أشكال الوقاية الأخرى نتيجةً لذلك، مثل غسل اليدين بعنايةٍ أو تجنب الاتصال بالأشخاص المرضى.
لقد تسبّبت المخاوف المتصاعدة من فيروس كورونا طفرةً في مبيعات الأقنعة الطبية الواقية والمناديل المُعقِمة ومُعقم اليدين، ونتج عن ذلك نقص البضاعة المتوفرة في الأسواق العالمية، حتى أصبح الأمر مُقلقاً إلى درجة ظهور مخاوف من ألا يستطيع مقدمو الرعاية الصحية الحصول على الأدوات التي يحتاجونها، علماً بأنهم أولى بها. ولتفادي ذلك، اتخذت السعودية، عدداً من الإجراءات الصارمة لضمان وفرة البضاعة الطبية الحرجة لكلٍّ من الجهات الصحية والمستهلكين، فسُخّرت المصانع والمعامل وسلاسل الإنتاج لإنتاج الملايين من الأقنعة وأطنان المعقمات يومياً التي تصل لكافة منافذ البيع في المملكة.
لقد أصدرت وزارة الصحة السعودية وعدد من المنظمات الصحية الأخرى حول العالم توصياتٍ مؤخراً بضرورة ارتداء القناع لجميع من يخرج من بيته، سعياً للحد من انتشار الفيروس وحماية للمواطنين في الأماكن العامة، فأصبحنا نرى الكثير يرتدون القفازات والكمامات في الشوارع ومراكز التموين والأماكن العامة، وهو ما يدل على وعي الشعب. إلا أن هنالك جانباً آخر للموضوع ينبغي وضعه في عين الاعتبار، وهو أن ارتداء قناع الوجه والقفازات وتعقيم اليدين باستمرار يؤديان إلى تغييرات سلوكية مثيرة للقلق، حيث تقلِّل شعور الناس بالخطر وخوفهم من العدوى.
يُعد سلوك المخاطرة جزءاً جوهرياً من التجربة الإنسانية، بدءاً من قيادة السيارة إلى الاستثمار في سوق الأسهم، ويعتبر البعض التواجد في الأماكن العامة وركوب القطار أو الذهاب إلى الطبيب نشاطاً محفوفاً بالمخاطر في هذه الأيام، لكونه يزيد من احتمالية الإصابة بعدوى فيروس كوفيد -19. وتهدف إجراءات السلامة الاحترازية بطبيعتها إلى جعل الأنشطة الخطِرة أقل خطورةً، مثلما تفعل أحزمة الأمان لركاب السيارات، وكذلك تفعل الأقنعة والمعقمات الشيء نفسه مع أيّ شخصٍ يخشى من الإصابة بفيروس كورونا. ولكننا كخبراء في الاقتصاد السلوكي نُدرك جيداً أن الناس وسلوكياتهم يمكن أن يعرقلا فعالية أفضل تدابير السلامة.
إذا كان الأمر أمناً: فلنخاطر أكثر، فقد درس الاقتصادي سام بيلتزمان قبل خمسة وأربعين عاماً تأثير أنظمة سلامة السيارات الصادرة في عام 1966 للسيارات المباعة في الولايات المتحدة، وخَلُصَ إلى أنه لم يكن لتلك الأنظمة تأثير على معدّل الوفيات الإجمالي، وهو ما غيَّر فهم الباحثين لكيفية عمل إجراءات السلامة الاحترازية بالكامل! فهذه النتيجة تبدو منافيةً للبديهة في أوّل الأمر، خاصةً بالنظر إلى أن القيادة أصبحت أكثر أماناً، إلا أن بيلتزمان وجد أن السائقين الذين يشعرون بالأمان يميلون إلى التصرف بتهورٍ أكثر وأنهم أقلّ اهتماماً بظروف الطريق، ما أدى إلى زيادة عدد الحوادث المرورية وعدد الوفيات من المشاة ككل، على الرغم من انخفاض نسبة الوفيات الناتجة من هذه الحوادث. ورصد الباحثون آليةً سلوكيةً مماثلةً عند العمل في مجالات أخرى، فالمتزلجون ولاعبو الهوكي ومتسابقو الناسكار (من أشهر سباقات السيارات في الولايات المتحدة) يغامرون بالمزيد من المخاطر عند تنفيذ تدابير السلامة.
وإذا كان أكثر أمانًا: فلنشارك! فقد درست أنا وهورنشتاين هذه الظاهرة باستخدام مجموعة بيانات كبيرة مقدمة من (iRacing)، وهي لعبة فيديو محاكاة لسباقات السيارات على الإنترنت، وتُوّلد بياناتٍ سلوكية تتضمن قدرات القيادة للاعبين، فوجدنا بأن السائقين الأقل قدرةً يميلون إلى اختيار سيارات أكثر أماناً. وسجّل الباحثون نتائج مماثلة في الدراسات المالية، حيث تُعرّف القدرات في هذه الدراسات بأنها المعرفة المالية للمستثمر، حيث وُجد بأن انخفاض المعرفة المالية يرتبط بانخفاض احتمالية الاستثمار في الأصول الخطرة. ولكن تطبيق إجراءات السلامة تكون بمثابة حافزٍ للمشاركة دائماً، فمثلاً يصبح سباق ناسكار أقل خطورةً عند مرافقة سائق محترف، ويصبح الاستثمار أكثر أماناً عندما تحضر الجهات التنظيمية الأدوات المالية المُعقدة.
في ظروف تفشي فيروس كورونا، يمكنك التفكير في بعض الأشخاص على أنهم أكثر عرضةً للعدوى، مثل كبار السن وهؤلاء الذين يعانون من أمراض مزمنة، فقد يوفر القناع الواقي أو الاستخدام المتكرر لمعقم اليدين حافزاً لهم لمغادرة منازلهم والتفاعل في الأماكن العامة. ولذلك نعتقد بأنه يجب على مسؤولي الصحة العامة القلق بشأن الزيادة المحتملة عن ذلك في العدوى وحتى في الوفيات، والتي تأتي كنتيجة للثقة المفرطة في إجراءات الحماية.
رسالة تحذير أخيرة: كن حَذِراً عند مواجهة شخص يرتدي قناعاً واقياً، فقد يمنحه هذا القناع شعوراً وهمياً بالسلامة ويدفعه إلى سلوكيات تعرّضك وتعرّضه لخطر الإصابة بالعدوى بصورةٍ أكبر.
** **
د. كونراد قرابيزويسكي - أستاذ مشارك في الاقتصاد بكلية الأمير محمد بن سلمان للإدارة وريادة الأعمال