د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
أستغرب من الفرح والسرور الذي بدا على وجوه مجموعة من المحللين العرب على قنوات عدة، وهذا لم يحدث مع المحللين غير العرب الذين أوضحوا أن المملكة تمتلك مقومات اقتصادية تمكنها من تجاوز الأزمة التي دخل فيها العالم بما فيها السعودية.
أنا لست غاضبًا من التحليل الاقتصادي المبني على أسس التحليل الاقتصادي، لكن ما آلمني أنني لاحظت على وجوه هؤلاء المحللين العرب تباشير فرح وسرور، ولم يتوقفوا عند هذا الحد بل يبشرون بانهيار الاقتصاد السعودي، لا بل وأنه لن يصحو من كبوته وأمامه مستقبل مرعب، وكأنهم يبشرون بانهيار السعودية كنظام وحكومة وشعبًا والوصول إلى مرحلة بلدانهم مثل لبنان وسوريا، وأغلبهم يبرر أنه بسبب تدخل السعودية في اليمن، وهو ما يثبت أنهم حلفاء ولاية الفقيه أو الإخوان الذين فقدوا حكمهم في مصر والسودان ولجؤوا إلى تركيا كمقر وإلى قطر كممول بعدما حجمتهم السعودية بدعم مصر والسودان ووقف نفوذهم في اليمن.
وبالعودة إلى فضل المملكة عليهم وعلى دول كثيرة في أنحاء العالم أنها قدمت معونات لـ81 دولة حول العالم بنحو 86 مليار دولار بين 1996 – 2018، بل تعتبر السعودية مساعداتها لفلسطين وفاء منقطع النظير وبدعم لا محدود، وهي أكبر مانح للموازنات الفسطينية، وبسبب دعمها يعتبر من أبرز عوامل الصمود، لكنها ترفض دعم جماعات وتنظيمات خارج الحكومة الفلسطينية فتولاهم محوري الممانعة والإخوان.
رغم انهيار أسعار النفط بسبب جائحة كورونا وارتفاع المخزونات والمضاربة على العقود الآجلة والمستقبلية، فإن أمريكا التي كانت تحارب تكتل أوبك، اليوم تستدعي السعودي ولأول مرة لإنقاذ أسواق النفط، فهي مرحلة جديدة من التعاون بين أكبر ثلاثة منتجين في العالم السعودية وروسيا وأمريكا، والمستقبل سيرسم تعاونًا بين هذه الدول لم يتوقع أحد أن يحدث هذا في أي وقت، وسيشكل سابقة للتعاون المستقبلي لأمن الطاقة العالمي والنمو الاقتصادي، مما سينعكس على المستقبل الاقتصادي السعودي لمواصلة تحقيق رؤيته 2030 التي أثرت عليها جائحة كورونا لأنه أواخر 2020 سينمو الطلب بمعدل أسرع خصوصًا وأن السعودية تقف بارتياح فوق مستوى احتياطي آمن.
وهذا ليس تحليلي بل تحليل جيسون بوردوف المدير الأعلى السابق في فريق عمل مجلس الأمن القومي الأمريكي في مقالة له نشرته مجلة فورين بوليسي، أنه على الرغم من أن عام 2020 سيذكر باعتباره عام الأزمة الحقيقية بالنسبة إلى الدول البترولية، فإن دولة واحدة -ويقصد بها السعودية- ستخرج من أزمة وباء كورونا بسبب أنها تتمتع بقدر أكبر من القوة على الجانبين الاقتصادي والجيوسياسي، وستتسيد السوق البترولية، خصوصًا وأنها تمكنت من رفع حصتها السوقية، ستستفيد من ارتفاع الأسعار وبيع كميات أكبر تدعم خططها المستقبلية. في المقابل هناك ضرر شبه كامل يهدد 4 ملايين برميل من النفط الصخري الأمريكي، هذا على المدى القريب، لكن على المديين المتوسط والبعيد بسبب أنها تتمتع بقدر أكبر من القوة على جميع المستويات، سيتقدم اقتصادها مراتب في مجموعة العشرين.
ورغم جائحة فايروس كورونا وتوقف الأنشطة الاقتصادية في السعودية على غرار العالم ولأول مرة ترتفع الودائع المصرفية في السعودية وتتخطى حاجز 1.8 تريليون ريال بارتفاع 10 في المائة بالتزامن مع سداد وزارة المالية مستحقات القطاع الخاص بنحو 23 مليار ريال حتى نهاية مارس 2020، في حين هناك 13.5 مليار ريال تحت الصرف، ما يعني أن السياسة النقدية التي اتبعتها ساما نجحت في تحريك عجلة الاقتصاد السعودي وفتح المجال أمام اقتراض القطاع الخاص خصوصًا أن الليبور لأجل ثلاثة أشهر سجل انخفاض 71 في المائة منذ بداية العام، ما يعني هبوط تكلفة الاقتراض الدولارية أيضًا يعجل الشركات السعودية للقروض من الأسواق العالمية. فالمملكة برهنت على إمكاناتها المالية وأنها قادرة على مواجهة عاصفة مثل تراجع أسعار النفط وأزمة كورونا، وعلى النقيض من منتجي النفط، فالسعودية لا تمتلك احتياطيات مالية ضخمة فحسب بل قدرة على الاقتراض، فبمجرد استقرار الأسواق فسينتهي المطاف بالسعودية لأن يكون لديها عائدات نفطية أعلى ونصيب سوقي أكبر، ليس هذا فحسب بل تكون تمكنت من تقوية مركزها الجيوسياسي بإعادة ترسيخ مكانتها باعتبارها المنتج المرجح للنفط.