د.عبدالله بن موسى الطاير
كورونا أنهكت الاقتصاد العالمي، ولذلك يذهب البعض إلى أن الدول لن تكون قادرة على خوض حروب فيما بعد تلاشي الوباء، وأن أولوياتها ستوجه لصالح صحة الإنسان وأمنه الغذائي. هذا الرأي له وجاهته، بيد أنه يتعارض مع رأي يؤكد أن كوفيد -19 سيؤدي إلى شح في الموارد وأن الدول ستحترب للاستحواذ والسيطرة على أكبر قدر من الموارد الاقتصادية.
لا يوجد سبب وحيد لشن الحروب، إذ يمكن أن تتداخل عدة أسباب بطريقة معقدة لإشعال حرب بين طرفين، إلا أن تحقيق مكاسب اقتصادية، من أهم مبررات دخول طرفين في نزاع مسلح.
حتى لا نستفرغ المساحة في التنظير، يمكن التطبيق على إقليمنا. الخارطة الجغرافية للإقليم تضع أربع قوى رئيسة في صدارة التأثير، وهي المملكة العربية السعودية التي تعد ضابط الاستقرار والعمق الإستراتيجي لدول الخليج، وإيران التي تعد المهدِّد الرئيس لاستقرار المنطقة، وإسرائيل العدو الإستراتيجي لكل دول الإقليم، ثم مصر التي تمثِّل وزناً لا يُستهان به في محيطها رغم الظروف الاقتصادية.
تشير مخرجات استقراء التاريخ، واستخلاص نتائج الحروب والنزاعات المسلحة إلى أن الدول تتطلع لمنافسة القوى المهيمنة في نطاقها الجغرافي، وحتى لو لم تعلن ذلك في تصرفات عدوانية فإنها تخطِّط لصناعة فرص مواتية لنقل طموحاتها من دائرة الأماني إلى التطبيق ولو عن طريق الحرب.
منذ توحيد المملكة عام 1932م وهي تؤكد مكانتها القيادية جيوسياسياً وديموغرافياً ودينياً واقتصادياً. هذا الاستقرار المدعوم بقوة الأمر الواقع لعقود من الزمن يقابله قوى طامحة للمنافسة وتنتظر اليوم الذي تتصدر المشهد. ربما لا تساعدها إمكاناتها على منافسة المملكة ولكن لا يعني ذلك أنها لا تعمل على تهيئة الفرص المناسبة لانتزاع القيادة.
لطالما نظرت إيران الشاه إلى السعودية بارتياب على اعتبارها قوة جديدة طامحة في السيطرة، ولكن كان هناك مجال للتفاوض والحوار، وكانت أمريكا على مسافة شبه متساوية من طهران والرياض ولذلك حافظت الدولتان على إدارة الخلاف بينهما. ومع اندلاع الثورة عام 1979م ووصول الملالي للحكم، رفعوا شعار الإسلام كطموح ليس لقيادة المنطقة فحسب وإنما العالم الإسلامي غير أنه اصطدم بقوة على الأرض تملك مقومات القيادة الإسلامية ويصعب منافستها وهي المملكة، فما كان من إيران الثورة سوى وضع المملكة في خانة المهدِّد الإستراتيجي لنفوذها وبالتالي وظَّفت كل الطرق الممكنة لإلحاق الضرر بالسعودية دون أن تجرؤ على إعلان الحرب. أما مصر فعلى الرغم من شعورها منذ العام 1952م بالنفوذ السعودي، واشتباك البلدين في اليمن عام 1962م إلا أن العلاقة كانت قابلة للاحتواء ويبدو أن مصر قد قنعت بالنفوذ العربي والسعودية بالنفوذ الإسلامي وتحوّلت العلاقة إلى تعاون وتنسيق ظهر جلياً في عهد الرئيس مبارك والرئيس السيسي.
الدول المطلة على ضفتي الخليج، ودول الهلال الخصيب مهمة لأمريكا ومؤخراً روسيا. ومعطيات الوجود الأمريكي قبل أن تتحول أمريكا إلى أكبر منتج للنفط تختلف عنها الآن. فالضرر الذي يلحق بالسعودية ودول الخليج المنتجة للنفط، والعراق وإيران يخدم بدون شك صناعة النفط الأمريكية التي تتوق إلى تبوؤ مركز المصدِّر الأول أيضاً. وبالقدر الذي تخدم الفوضى في هذه المنطقة أمريكا وروسيا فإنها تضر بالصين والدول الصناعية الآسيوية، وهو مطلب لأمريكا أيضاً، التي تريد استعادة مصانعها ووظائفها.
تنظر أمريكا إلى أن دول الخليج العربية وأفغانستان، والعراق تشكِّل حائط صد يحول بين الصين والتوغل في أوربا وإفريقيا. ولكن فشلت المتاريس في المنطقة العازلة بين المتحاربين تلجأ الدول إلى تحويل تلك المنطقة إلى جحيم لا يستفيد منه العدو. فهل تقرِّر أمريكا حرق الخليج بدلاً من تقويته في وجه الصين؟
تستحث سياسات أمريكا العشوائية سريعة التقلّب سؤال ما بعد كورونا؛ فهل يمكن أن تدخل منطقة الخليج وإيران في حرب تشعلها أمريكا أو إسرائيل بهدف تمرير فترة الرئاسة الثانية للرئيس ترامب، وتعطيل إنتاج النفط وتصديره عبر الخليج، مما يعزِّز مكانة أمريكا كمصدر رئيس للطاقة إنتاجاً وتصديرا؟
سيناريو مستبعد ولكنه ليس مستحيلاً، فهل تم الاستعداد له ودراسة بدائل تحمي هذه المنطقة التي تهم أهلها أولاً وأخيراً؟