ياسر صالح البهيجان
أكثر ما تتطلبه المدن في أوقات الأزمات هو إطلاق المبادرات النوعيّة ذات التأثير الفاعل والمباشر لحماية السكّان من تبعات الأزمة. الإشكالية الكبرى في الأزمات أنها غير متوقعة وغير مسبوقة، أي أن صانع القرار لن يجد تجربة سابقة يمكنه تكرارها أو السير على منوالها للخروج من عنق الزجاجة، ما يفرض عليه البحث عن خيارات جديدة من خارج صندوق خبرات الماضي ليستطيع الإمساك بزمام الأزمة وترويضها.
ولا يمكننا الحديث عن إدارة المدن في الأزمات دون أن نضع القطاع البلدي في سلّم الترتيب، وهو أحد أضلاع المثلث إلى جانب القطاعين الصحي والأمني، إذ يتحمل عبء إصدار التشريعات والتنظيمات الضابطة لتنقلات السكّان وتفاعلهم فيما بينهم وتماسّهم مع أصحاب المصلحة من المنشآت التجاريّة في إطار الفضاء العمومي للمدينة، وفي خضّم جائحة بحجم كورونا فإن المهمة أمام القطاع البلدي ليست سهلة، حيث سيلعب دورًا بارزًا في الموازنة بين الصحة والاقتصاد من خلال تنفيذه للتدابير الوقائية اللازمة والضامنة لجريان الحركات الاقتصادية في بيئة صحية وآمنة.
واختيار الرياض نموذجًا للمقاربة في مسألة إدارة المدن في الأزمات ينطلق من ثلاث ركائز، أولاً كونها عاصمة المملكة العربية السعودية، وثانيًا ثقلها الاقتصادي على المستويات المحلية والإقليمية والدوليّة، وثالثًا تميّز أمانة منطقة الرياض في إجراءاتها للحد من تأثير الوباء واحتوائه. ولن نشير في الأسطر التالية سوى للمبادرات النوعية التي تؤكد قوّة القطاع البلدي في التأثير على مجرى الأزمة متى ما كان قطاعًا حيويًا وخلاقًا.
عندما تزايد الإقبال على المعقمات مع بداية الإعلان عن تسجيل حالات مصابة بفيروس كورونا، بادرت أمانة الرياض بإنتاج معقم للأيدي في مختبراتها المركزيّة بقيادة كفاءات سعوديّة، وضاعفت من طاقتها الإنتاجيّة لتوفيره مجانًا للسكّان، وتمكنت من توزيع أكثر من نصف مليون عبوة معقم خلال أسابيع، والحال كذلك عندما فُرض الحظر الكامل واضطر المواطنون والمقيمون إلى إيصال طلباتهم إلى المنازل من خلال مندوبي التوصيل، ألزمت الأمانة المطاعم بإحكام إغلاق الطلبات لضمان سلامة الأغذية.
وعندما أشارت التقارير الطبيّة بأن الفيروس يشكل خطرًا على كبار السن والنساء الحوامل، أبرمت أمانة الرياض اتفاقيّات مع كبرى الأسواق الغذائية لتخصيص أوقات لتسوق تلك الفئات بعيدًا عن الزحام، كما أطلقت خدمة تجهيز الطلبات عبر تطبيق الواتساب واستلامها في المركبة دون الحاجة إلى مخالطة الآخرين داخل السوق، إضافة إلى إنشائها العديد من نقاط البيع المؤقتة للخضار والفواكه والمواشي لتوفير خيارات متعددة وآمنة وقريبة من المساكن لتقليل حركة التنقل وتوزيع المتسوقين بما يقلل فرص انتقال العدوى.
تلك المبادرات النوعية وغيرها جديرة بتسليط الضوء عليها؛ لتكون نموذجًا للاقتداء وتأكيدًا على أن القطاع البلدي بمقدوره تقديم الكثير للسكّان متى ما حضرت وتولت إدارته العقول النيّرة والمبتكرة والقادرة على تبني برامج غير تقليديّة تواكب المرحلة وتعمل في الحاضر برؤى المستقبل.