تظل وسائل التواصل الاجتماعي خطوة متقدمة في التقنية المتمثلة في إنشاء وتبادل المحتوى وتشكيل الرأي العام وقد أشارت كثير من الدراسات لعلماء مختلفين إلى خطورة وسائل الإعلام الاجتماعية تلك في صناعة أو تزييف الوعي الجمعي. العصفور الأزرق أحد أهم هذه المنتجات في الإعلام الجديد، وقد كان ولايزال متنفساً حرًا يكتب فيه من يشاء ما يشاء ضمن ضوابط معينة وأحيانًا خارج أية ضوابط في حالات خاصة. من مزايا تويتر أنه صنع من كل صاحب محتوى جيد شخصا ناجحا في تسويق أفكاره، ومن فضائله أيضًا أن كشف كثيرا من أدعياء الفكر وأنصاف المثقفين.
في توتير تجد الغث والسمين وهناك فعلا كثير من الحسابات التي تستحق المتابعة واحترام الكاتب والمكتوب، وينبغي أن نعلم أن كثرة المتابعين لا تعني جودة المحتوى أو براعة وروعة الطرح بل رأينا كثيرا من حسابات أساطين الفكر والأدب والثقافة لا يتجاوز متابعينهم العشرات بينما حسابات أخرى تافهة أو تابعة لمشاهير تجد لها متابعين بمئات الآلاف رغم رداءة محتواها. منصات تويتر فتحت الآفاق الواسعة لأن يعرض كل شخص عقله على الآخرين وذلك ليس بالأمر الهين وليس من السهولة بمكان، فالقلم أمانة والحرف مسؤولية وفي تويتر تدور النقاشات في القضايا الاجتماعية إلى السياسية الشائكة والاقتصادية والفنية وغيرها من مناحي الحياة، وحتى التجارية والاقتصادية وحول كل شيء وأي شيء. تصادف كل هذا مع التغيرات الكبيرة التي تشهدها السعودية في مجالات شتى المجتمعية وغيرها، وفي تلاقح الأفكار ميزة عظيمة حين تتعدد الخلفيات الفكرية والمشارب لأولئك المستخدمين، وبالطبع هناك تضارب في المصالح وفي الأفكار. في تويتر ليس هناك مجال للانفصال عن الواقع أو التدثر بعباءة الخصوصية والاعتذار بعبارة ان هذا رأيي الشخصي، ففي مرحلة ما سيكون كل ما تقوله محسوباً عليك وله تبعات قانونية في حال وجود شكاو أو تقاض وكون تويتر ليس بعيدا عن أعين الرقيب أيضاً في بعض الحالات. المغرد السعودي كما تفيد الإحصائيات من أكثر المتفاعلين مع هذا الفضاء الأزرق ليس فقط على المستوى العربي بل عالميًا أيضًا وأثبت المغرد السعودي في المجمل أنه رقم صعب حين يتعلق الأمر بالوطن والدفاع عنه بل إن تأثير المغرد السعودي تجاوز في بعض الحالات قوة مؤسسات إعلامية ومنظومات متكاملة من ماكينات صناعة الإعلام الضخمة بذكاء منقطع النظير بحيث لا تنطلي عليه الألاعيب والخدع. استشراف مستقبل تلك المنصات أمر يشغل بال كثير من الأفراد والمؤسسات، وهناك عدد لا يحصى من الدراسات حول تلك الأمور وضمن هذا السياق فملايين التغريدات تصدر من السعوديين بمختلف شرائحهم يوميا عبر هذا الفضاء.
كمتابع للظواهر التويترية لاحظت قبل فترة ليست بعيدة عودة للمناكفات التويترية وحملات التخوين المتبادلة وتوزيع صكوك الوطنية في هجمات متبادلة في كر وفر يميزها الشللية والفزعات والتعزيز متضمنة أشخاصا معروفين وحسابات معروفة ومجاهيل أكثر، وإن كان حق التعبير مكفولا للجميع ولا وصاية لمغرد على آخر أو هكذا يفترض. تستخدم في هذه الحروب القذرة عملية تسطيح للعقول بشكل مقزز واستعداء وتبادل تهم معلبة بشكل مبتذل في كثير من الأحايين. الجميع يتهم الجميع وتصل بينهم أحيانا إلى التجريح الشخصي والطعن في الأخلاق والأعراض وتشويه السمعة. من الواضح أن هناك خللا ما ففي بعض الأحيان تجد «هاشتاق» مرفوعا ويصل الترند رغم عدم وجود تغريدات تؤهله لأن يصل إلى الترند فمن الطبعي أنه مدفوع الثمن فقط لأجل أن تقول شلة هذا المغرد لشلة المغرد الآخر كلمة أو اتهاما وأصبحوا يطلقون على بعضهم في خصوماتهم تلك مسميات أو صفات، وطبعا يعرف المغردون من يقصد هذا أو من تقصد هذه المغردة. مؤخرًا أصبحت الشتائم بينهم معتادة بل من بديهيات صراعهم القذر فضلا عن اتهام بعضهم بالانتماء لأحزاب معينة والعمالة والتخادم مع أجندة أعداء الوطن إلخ وطبعا يضفي هذا المغرد أو تلك المغردة صفات الوطنية والنضال على الشلة التي تدور في فلكه أو تتعاطف معه. نحن السعوديين نعرف بعضنا جيدًا، وكما نقول في لهجتنا المحكية (كلنا عيال قرية وكلٍ يعرف خيًه) برأيي أيضًا ان من يثق بنفسه وبأفكاره وقناعاته ألا يخاف من نبش تغريداته القديمة فكما يقول المثل (لا تسرق ولا تخاف) وإن كان هذا لا يعطي الحق لأحد أن يعمم ما فهمه من هذه التغريدة على الآخرين كقرآن منزل، فالمغرد مسؤول عما يكتب وليس عما يفهم الآخرين. تقييم الحسابات من حيث كونها وطنية من عدمه مسؤولية صعبة وليست مناطة بالأفراد. منذ أيام تدور رحى معارك كلامية طاحنة بين فريقين كلاهما مقرف بصراحة، وكلاهما يكيل أقذع الشتائم للفريق الآخر وكلاهما يتحدث عن فيروسات التخوين وكلاهما يكيل المديح ويوزع صكوك الوطنية على مريديه. الوطن أكبر من الجميع وفي نفس الوقت يستوعب الجميع. حتى الطفل الصغير أصبح يعي خطر المشروع الاستعماري العثماني ومن يدور في فلكه من الاخونج بالأموال القطرية، وكذلك العداء الوجودي مع أحلام عمائم فارس في العبث بالمحيط العربي وخطر غلاة الليبرالية وغلاة الصحويين. الوطن ليس بحاجة هذه الصراعات الجانبية وادعاء الطولات في حسابات على الفضاء. الوطن بحاجة لممارسة مزيد من التنوير من الوسطيين وتشجيع ثقافة الحوار وإحسان الظن وتجنب الإقصاء وأن نتعلم أدب الحوار وفن الاختلاف. سقط كثير من الأسماء المعروفة من الجنسين في وحل هذا البحر من القرف الذي يفيض باللمز والغمز والقذف واستعداء السلطة ومحاولة تجهيل المجتمع وينبغي عودة التوازن لهذا الفضاء الذي بدأ يهجره الكثيرون جراء هذا التلوث الأخلاقي. رفقاً بنا أيها السادة والسيدات فنحن شركاء في هذا الفضاء وتلك المنصات. كفى تراشقا فضجيجكم يصيبنا بالغثيان. المغرد السعودي أثبت في كل الأزمات انه الجندي الأول وخط الدفاع الأول بل أثبت أنه وزارة خارجية ودفاع وإعلام، وكلامي في هذا المقال موجه فقط لأولئك الشلل ومن وراءهم دهماء الفريقين ومجموعة مع الخيل يا شقراء؟.