مها محمد الشريف
تعتبر الدراما محور الارتباطِ بين الآدابِ والفنونِ. بل بين نمط الحياةِ وقوانين تطورِها، وأبعد أثراً حيث تقف الدراما في مقدمة تلك الأنواع الأدبية والفنية، فالمجتمعات المتقدمة اليوم ليست هي التي لها العلم والتكنولوجيا والدخل الاقتصادي الهائل فقط، وإنما هي تلك المجتمعات التي تأخذ فيها اللغة والثقافة الوطنيتان الأولوية، ومصداقية هذا المفهوم من حيث وصفه يجعل الدراما ترتبط بالقوانين الموضوعية التي تتحكم في الحياة وتتناسب مع حالات الوعي البشري.
فالدراما السعودية التلفزيونية التي بدأ تاريخها مع بدايات الستينات الميلادية من القرن العشرين مع تأسيس التلفزيون السعودي الحكومي في ذلك الوقت، وتطورت مع مرور الزمن الأدوات والإمكانيات وزاد الإنفاق وتوسع الإنتاج لكن لم تتطور الأفكار ولا السيناريوهات ولا المستوى الفني الذي يقدم، ومنذ ذلك الحين ما زالت الأعمال الفنية متواضعة والضعف في الأداء والعرض والحوار متكرر وواضح، لدرجة أنه يمكن أن تتوقع ماذا سيقول الممثلون قبل أن يبدأ الحوار نظراً للتكرار المستمر للأفكار.
وكذلك نفس الممثلين والكاتب للمسلسل، وباتت كلها أفكار نقدية مستوحاة من أفكار مقالات قديمة وكأن الفن يعالج فقط قضايا خدمية أو روتينية وفي حالات أخرى يقفز إلى قضية الشواذ التي تعتبر من خارج نطاق قضايانا لطرحها على المجتمع وهي مرفوضة رفضاً باتاً، وليست من الأفكار التي تتناسب مع بيئتنا وثقافتنا الإسلامية والعربية التي نعتز بها وكأن الهدف هو الإثارة لجذب المشاهدين، وخلق الجدل مما يعطي انطباعاً أن العمل مهم يمثل حالة فكرية ضرورية للمجتمع بينما حقيقة الانتقادات ليست بالجدل حول الفكرة إنما رفضها قطعياً واستنكار تقديمها كعمل فني يحسب على إعلامنا أو مجتمعنا.
ويمكننا بناء ذلك على ضعف الحواضن لعدم وجود معاهد فنية أو أكاديميات ولا يوجد دور رائد في جمعيات الفنون في دعم وتبني كتاب القصص أو السيناريست، سيما بعد أن أصبحت الأفكار السيئة في الغرب تنتشر بسهولة في الشرق بغرض الغزو الفكري والاستعمار الثقافي، فقد تمكّنت مؤسسات الإعلام الدولي من توظيف الدراما التلفزيونية في الاتصال الرقمي بسبب قوة تأثيرها في النظم القيمية المتعلقة بهوية المجتمعات.
إن أمراً من الأمور المهمة التي تستهدف الناس من مبدأ أن الإنتاج الدرامي يعكس واقع أي مجتمع ولهذا فكل شخص منا يرى أهمية أن تعكس الدراما السعودية الواقع الحقيقي للمجتمع، وإذا أريد لمثل هذه الدراما أن تنجح فيجب ألا تكون عن إنكار الذات وتخوض في نضالات عقيمة تقلب موازين الأساليب الفنية إلى نزاعات وصراعات جدلية، ولهذا فالكل شريك في معرفة ما هي مشكلة الدراما السعودية وما هي الحلول التي يمكن أن تتغير مع الظروف ولا تظل تحت وطأة الاجتهادات الفردية.
فإذا كانت الجهات المعنية لم تطور الحركة الفنية فمن المهم أن ننتقل إلى مرحلة مختلفة بعيدة عن الشللية والتكاليف الضخمة التي تؤثر على جودة الأعمال على حساب التركيز والاحتراف والتفرغ كما هو في بعض الدول العربية التي لها باع طويل في إنتاج دراما لها علاقة وثيقة بالأدب وعكست ثقافة البلد وحضارته، علماً أن بلادنا غنية بالتاريخ والقصص المبهرة، عوضاً عن لعبة الإنتاج لدى معظم المنتجين السعوديين، وتحول فكرهم الأدبي والثقافي والفني إلى فكر مادي بحت لأجل الكسب السريع على حساب القنوات الفضائية.
ومما هو جدير بالملاحظة أن الدراما بوصفها النموذج الأدبي الأمثل لعصرنا، والتناسب الجديد بين القوى الاجتماعية في عصرنا والجانب الثقافي الذي يناسب العالم الحديث، وهذا التناسب أخذ ينعكس تدريجياً في جميع الأجزاء المكونة لمضمون الأدب وشكله، ويكون الانتباه تلقائياً له قيمة يحترم فيها القيم والتقاليد الثقافية، من خلال الرسالة الموجهة للمجتمع بإعادة بناء الشخصية على وفق سماتها المعاصرة بتوظيف طرق جديدة لمعالجة موضوعات العصر في غمار خططنا التقدمية للمستقبل.