عبدالرحيم آل مسلط
مع أزمة فيروس كورونا لاحظنا الكثير من التغيُّرات، سواء على الصعيد الشخصي أو الاجتماعي، أو فيما يتعلق بالجانب الإعلامي والتوعوي، أو فيما يتعلق بأداء العمل في القطاعات المختلفة.
فعلى الصعيد الشخصي كان الإنسان قبل فيروس كورونا يعرف أن الوقاية خيرٌ من العلاج، ولكن بعد الفيروس أدرك ذلك تمامًا؛ فاهتم بنظافته الشخصية بشكل منتظم ومستمر، وأصبح يتجنب الأماكن غير النظيفة، ويحذر حتى من ملامسة الأسطح في الأماكن العامة. وأصبح الرجل يعتمد على نفسه في الحلاقة (شعر وذقن)، وراضيًا كل الرضا عن أدائه في هذا الجانب، وكذلك يغسل ملابسه في البيت، ويلبسها بكل أناقة، ولا ضير في ذلك. واكتشفت المرأة أن لديها الكثير والكثير من المواهب المدفونة التي أخذت فرصتها بالظهور في زمن فيروس كورونا.
اجتماعيًّا قبل فيروس كورونا كنا على معرفة بأن الاهتمام بالأسرة أمرٌ ضروري للغاية، وبعد فيروس كورونا أدركنا ذلك تمام الإدراك حينما أصبحنا نقضي جُل وقتنا مع أسرتنا: الأم والأب والأبناء. رأينا مدى الأثر الإيجابي لقضائنا الوقت الكافي مع أبنائنا، وأصبحنا نتحاور معهم، ونسمع لهم، ونفهمهم أكثر، وأصبحنا ندرك احتياجاتهم، ونفهم الاختلاف بينهم. رأينا الطمأنينة في أعينهم، وأثرها على أنفسهم. أصبحنا نلعب معهم ولأجلهم أكثر مما سبق.
ببساطة، في زمن فيروس كورونا أصبحنا نقضي الوقت مع أسرنا أكثر مما نقضيه بعيدًا عنهم.
في زمن فيروس كورونا أصبحنا نأكل مما نصنع في البيت، وأدركنا أن طعام البيت أكثر لذة ونظافة من أكل المطاعم. وأدركنا أثر ذلك على مصروفاتنا اليومية؛ وبالتالي على محافظتنا على دخلنا المالي وحسن الادخار.
كذلك أدركنا أهمية الوقت، وكيفية ترتيب الأولويات في حياتنا، إضافة إلى إدراكنا عدم جدوى تأجيل عمل اليوم إلى الغد؛ فما يمكن أن تقوم بعمله في الصباح لا يمكن أن تعمله في الليل (عدم التجوُّل وما أدراك ما عدم التجوُّل).
حقيقة، إننا في زمن فيروس كورونا أدركنا الكثير والكثير، بل إن البعض تغيّرت لديه الكثير من القناعات، والبعض الآخر تنازل عن قناعاته تمامًا (كدعاة تحديد النسل مثلاً).
الناس قبل زمن فيروس كورونا تعرف أن هناك فرقًا بين أهل العلم وأهل الهوى، لكن بعد فيروس كورونا أدركت الناس ذلك تمامًا؛ فأصبحوا يتابعون ويسألون العلماء الأجلاء والأطباء الثقات، ويتجاهلون الجهال الذين ينعقون بما لا يعقلون، الذين دأبوا على تضليل الناس بقصد أو بغير قصد، وإقناعهم بسفاسف الأمور.
كما أدركت الناس زيف ما كان يدعو له هؤلاء الجهال الذين صوَّروا للناس أن الحياة لا تستقيم إلا بالشكليات التافهة حتى جعلوا الكثير من الناس واحدًا من اثنين: إما أحمق يلهث وراء كل تفاهة، أو مكتئبًا يندب حظه. لكن الناس أدركت أن الحياة أعمق من أن تكون مجرد لهو ولعب، ومجرد أن تكون زينة ولباسًا ومطاعم.
إعلاميًّا وتوعويًّا كنا على معرفة بأهمية الإعلام ومنابره المختلفة، لكن بعد زمن فيروس كورونا أدركنا هذه الأهمية، ومدى خطورتها بعد أن سقطت الأقنعة التي صنعها الإعلام عن بعض حكومات ودول ما يسمون زيفًا وبهتانًا بدول العالم الأول، وأدركنا كيف أن الإعلام يلعب دورًا خطيرًا في إقناع الناس والتأثير عليهم، سواء بالحقيقة أو بالزيف، كما فعل الإعلام في الدول التي تعرت حكوماتها في زمن فيروس كورونا، التي كانت تدعي احترامها لحقوق الإنسان، وأنه من أعظم اهتماماتها، بل وصل بها الحال في المبالغة في الزيف والخداع إلى أنها استخدمت هذا الأمر (حقوق الإنسان) كوسيلة وورقة تستخدمها ضد الدول الأخرى ضمن قواعد لعبتها السياسية القذرة، ساعدها في ذلك إتقانها واحترافيتها في تسخير الإعلام بوسائله المختلفة لدعم أهدافها الظالمة وادعاءاتها الكاذبة.
وهنا في وطني (المملكة العربية السعودية) كدولة متقدمة من دول العالم الأول، ولا أقول هذا مجاملة ولا ادعاء، بل حقيقة جلية جلاء الشمس في وضح النهار، فما يُقاس تقدُّم الدول إلا بما تنعم به الشعوب.. وهنا في وطننا - بفضل الله تعالى - ثم بفضل قيادتنا الحكيمة ينعم الجميع بالأمن والعيش الكريم في حال الرخاء وحال الشدة، وهذا ما أدركناه في زمن أزمة فيروس كورونا، وهذا ما يجب على إعلامنا بجميع وسائله وطاقاته أن يوضحه للجميع في الداخل والخارج، وأن يكون سلاحنا ضد الإعلام المضاد المضلل، سواء داخليًّا أو خارجيًّا.
عمليًّا قبل فيروس كورونا كنا على معرفة بأهمية تحقيق الكفاءة في أداء العمل (Performance Efficiency)، لكن بعد زمن فيروس كورونا أدركنا هذه الأهمية ودورها في إنجاز أفضل مستوى من العمل، مع الحفاظ على الموارد وعدم هدرها؛ لأن ذلك بدوره يدعم خطط إدارة الكوارث العامة؛ إذ إن إدارة الكوارث ليست عملاً عرضيًّا مؤقتًا منفصلاً عن العوامل الأخرى كما يفهمه البعض، بل هي عملية دائمة ومستمرة قبل الكارثة وأثناءها وبعدها، ومرتبطة بالوضع العام لكفاءة الأداء في جميع القطاعات الحكومية قبل وأثناء وبعد الكارثة.
فمستوى كفاءة الأداء في القطاعات الحكومية ينعكس بشكل مباشر على كفاءة أداء خطط الكوارث التي هي عبارة عن حصيلة عمل هذه القطاعات أثناء الكارثة.
وهنا نشدِّد على كفاءة الأداء؛ لأن نجاح خطط إدارة الكوارث ليس بتحقيق أهدافها فقط بل بتحقيقها بأقل التكاليف والمحافظة على الموارد.
ومن المهم هنا الإشارة إلى أن المراكز والجهات المعنية بإدارة الكوارث يجب أن تعمل بإحساس أن هناك كارثة كل يوم - لا قدر الله -؛ وهذا يجعلها تضع أعينها على كل ما يهمها بشكل يومي، ولا تفاجأ بوقع أي كارثة؛ فالكوارث غالبًا لا تستأذن في المجيء.
ما كنا على معرفة به قبل فيروس كورونا أصبحنا الآن ندركه جيدًا. وهناك فرق بين مجرد المعرفة والإدراك.. لكن السؤال المهم الآن ما بعد فيروس كورونا: هل سنتعلم مما أدركناه في زمن هذه الجائحة؟