د. أحمد الفراج
نعاود الحديث عن الديمقراطيين، الذين عملوا بكل طاقتهم على إقصاء المرشح برني ساندرز مرتين، الأولى في عام 2008، عندما ضغطوا عليه، وصوَّت كبار مندوبيهم لهيلاري كلينتون، رغم أن ساندرز كان هو نجم شباب الحزب والسيدات؛ لأن له موقفًا حادًّا ضد فساد النخب ومؤسسات الدولة العميقة، ثم واصل الديمقراطيون حربهم ضد ساندرز في انتخابات هذا العام لصالح مرشحهم المفضل جوزيف بايدن. وربما يستغرب القارئ كيف يقف الحزب الديمقراطي ضد مرشح ديمقراطي؟ وهذا يحدث؛ فالحزبان الرئيسيان (الجمهوري والديمقراطي) يكون لديهما مرشح مفضل. وكنت كتبتُ مرارًا أن دونالد ترامب لم يكن مرشح الحزب الجمهوري المفضل؛ فقد كان الحزب يرغب في أن يكون المرشح هو ابن المؤسسة الرسمية وسليل أسرة آل بوش الارستقراطية جيب بوش. وحتى عندما فرض ترامب نفسه رغمًا عن الحزب فكر الحزب في إزاحته، لكنه تراجع أمام تهديد ترامب بالترشح مستقلاً، وأمام سطوة جمهور ترامب المحافظ والضخم!
هناك أيضًا سبب آخر لعدم رغبة الديمقراطيين في أن يكون مرشحهم هو برني ساندرز؛ إذ إنه يساري مؤدلج، حتى أن المحافظين يتهمونه بأنه شيوعي. ولا شك أنه بمثل هذا التوجه لن يكون أداة طيعة بيد لوبيات المصالح التي تتحكم بدائرة واشنطن. وواشنطن تفضل أبناءها على القادمين من خارج الدائرة، مثل دونالد ترامب، أو المناهضين لسياسات المؤسسات الرسمية، مثل برني ساندرز. ومن أفضل أمثلة الساسة المدللين لدوائر واشنطن يأتي في المقدمة ريتشارد نيكسون ورونالد ريجان وجورج بوش الأب وبيل كلينتون وأخيرًا باراك أوباما؛ فهؤلاء خدموا في المؤسسة الرسمية، وخبروا دهاليزها وأسرارها واستراتيجياتها لسنوات، قبل أن يترشحوا للرئاسة. ولعلكم تتابعون حاليًا ما يحدث، عندما يفوز بالرئاسة من جاء من خارج واشنطن، أي ترامب. والديمقراطيون لا يريدون أن تتكرر التجربة مع ساندرز؛ لذا عملوا بكل طاقتهم على دعم منافسه جوزيف بايدن. وإذا كانوا قد نجحوا في إقصاء ساندرز فإنهم اليوم في وضع غير جيد؛ لأن بايدن هو ابن المؤسسة الرسمية، الذي سيعيد دور الرئيس التقليدي بعد فترة ترامب الصاخبة، ولكن من سوء حظهم أن بايدن، على الأقل الآن، لا يبدو على قدر الرهان عليه، والديمقراطيون يعلمون ذلك جيدًا، ولكنهم ربما يؤمنون بمقولة: «الجود من الموجود»!