نيويورك هي مدينتي المفضلة. عشت فيها وعملت بها واعتدت السفر إليها كثيراً منذ تعييني بمنصب السفير لدى الولايات المتحدة. إنني أشعر بالحزن والأسى عندما أشاهد كل مظاهر الحيوية والصخب في هذه المدينة متوقفة بسبب انتشار فيروس كورونا. لاشك في أننا نواجه تحدياً كبيراً جداً على مستوى العالم لدرجة تتعدى حدود الجنسيات والأعراق.
لقد بدأت هذه الجائحة في الصين وعانت منها بشدة، لذا فنحن نعرف جيداً ما يعانيه الشعب الأمريكي في هذه الفترة. وقدم الصينيون الكثير من التضحيات من أجل محاربة كورونا، لذلك فنحن نعلم مدى ضراوة هذه الحرب مع الفيروس، وسوف نستمر في مواجهته في الصين وفي أنحاء العالم الأخرى كافة، كما أننا سنظل ممتنين لأصدقائنا من كل العالم، بما في ذلك الأمريكيين، بل بما في ذلك سكان مدينة نيويورك تحديداً، الذين قدموا لنا يد العون في وقت من الأوقات. ونحن الآن مستعدون لرد هذا الجميل للجميع للعبور معهم خارج هذه الأزمة.
دعونا نعترف بأن هناك العديد من الحوارات والنقاشات التي دارت بين دولتينا حول هذا المرض. لكنني أقول إن هذا ليس الوقت المناسب لتوجيه الاتهامات، وإنما هو الوقت لكي نتوحد جميعاً ونتعاون وأن يدعم بعضنا بعضاً.
من ذلك أن هناك أكثر من 100 خبير صيني في الصحة العامة ينتشرون في كل أنحاء العالم من أجل تقديم المساعدة للدول المتضررة. ولنفس السبب ترسل الصين أدوات الكشف عن الفيروس، إضافة إلى المعدات الطبية وأدوات الوقاية دعماً للعديد من المستشفيات في أمريكا ودول أخرى في العالم. والأهم من ذلك أننا نحرص على إطلاع دول العالم على خبراتنا وتجاربنا القاسية في التعامل مع الجائحة للدول التي تحتاج إلى المزيد من المعلومات والإجابة عن استفساراتهم.
ولعل ذلك ما حرص الرئيس الصيني شي جين بينغ على تأكيده في آخر اتصال له بالرئيس ترامب، حيث أكد ضرورة أن تقف كلا الدولتين جنباً إلى جنب في مواجهة الفيروس، كما تعهد بتقديم أنواع الدعم والمساعدة كافة التي يمكن أن تحتاج إليها الولايات المتحدة.
على صعيد آخر، تستمر الصين في القيام بواجباتها تجاه العالم بتوفير المعلومات المحدثة حول هذا المرض من خلال إقامة مركز للتواصل عن طرق شبكة الإنترنت والذي يوفر المعلومات المتاحة كافة حول فيروس كورونا، حيث يمكن أن تستفيد به الدول كافة في التعرف على آخر المستجدات والمعلومات حول الجائحة. وهناك تواصل مستمر بين الصين والجهات الصحية الأمريكية لمشاركة آخر المستجدات وتبادل الخبرات.
أما نيويورك، بؤرة الفيروس في الولايات المتحدة، فهي من أكثر المدن التي استفادت من المساعدات الطبية الصينية. لاسيما فيما يتعلق بأدوات الوقاية الشخصية المصنوعة في الصين. وبالفعل فإن مصانع صينية تعمل بأكملها ليل نهار من أجل توفير المساعدات الطبية التي تحتاج إليها نيويورك وغيرها من المدن الأمريكية. كما أن هناك الكثير من التبرعات التي تقوم بها الشركات الصينية في أمريكا. فعلى سبيل المثال، قامت شركة هواوي بالتبرع بعشرات الآلاف من أدوات الوقاية الشخصية مثل أقنعة الوجه والقفازات وغيرها لكل من نيويورك وواشنطن العاصمة. وفي المجمل، قدمت الشركات الصينية 1.5 مليون قناع للوجه، و200 ألف اختبار للفيروس و180 ألف زوج من القفازات وغيرها الكثير من المساعدات الطبية للولايات المتحدة.
الأسبوع الماضي قدم حاكم ولاية نيويورك آندرو كومو الشكر لعدد من الجمعيات الخيرية الصينية للتبرع للولاية بـ1000 جهاز تنفس، بالإضافة إلى توفير الأقنعة والنظارات الواقية. كذلك تقوم المجتمعات الصينية بأمريكا بتقديم الدعم العيني والمالي السخي للمستشفيات المحلية. هناك الكثير من عينة تلك المجهودات التي تُبذل لمحاربة ذلك الفيروس جنباً إلى جنب مع الشعب الأمريكي.
إن مثل هذه الأزمات لا بد أن تعلمنا كيف نقف جميعاً يداً واحدة، وأن نرفض بكل حزم دعوات التفرقة والكره والعنصرية التي يطلقها البعض، وألا ننحدر إلى أن نضع أي دولة أو جنسية محل الاتهام أو اعتبارها كبش الفداء. فمثل هذه الأعمال من شأنها القضاء على روح التعاون المطلوبة بين الدول، ناهيك عن أنها ستضع العالم على حافة الخطر ليس فقط من جراء الجائحة ولكن من جراء تداعياتها الاقتصادية كذلك.
ويمكن للصين والولايات المتحدة، باعتبارهما أكبر اقتصادين في العالم، أن تقودا تحالفاً دولياً لدعم وتطوير الأبحاث للإسراع في اكتشاف العلاجات واللقاحات لمحاربة الفيروس، والأهم من ذلك العمل على مساعدة الدول الأخرى ذات الأنظمة الصحية الأقل قدرة على محاربة الفيروس والعمل على الارتقاء بالنظام الصحي العالمي ككل.
على صعيد آخر، نحتاج إلى دعم التنسيق فيما يتعلق بسياسات الاقتصاد الكلي من أجل العمل على استقرار السوق والتأكيد على نمو وسبل العيش للآخرين. والأهم من ذلك المحافظة على استمرار عمل القطاعات الصناعية والغذائية مستقرة وآمنة.
وأؤكد أن هذه كانت فحوى الرسالة التي حرص الرئيس الصيني شي جين بينغ على إيصالها لدول مجموعة العشرين الشهر الماضي حول جائحة كورونا.
وفي النهاية ليس لدي أدنى شك من أن نيويورك سوف تجتاز هذه الأزمة بنجاح، وأتطلع للقيام بزيارتي التالية لتلك المدينة الساحرة والتجول بين معالمها التي تنبض بالحياة.
** **
تسوى تيان كاى - نيويورك تايمز - السفير الصيني لدى الولايات المتحدة