كان تيد وليامز من أمهر وأشهر لاعبي البيسبول في تاريخ أمريكا قبل أن يتقاعد في عام 1960. وكانت ولا تزال طريقة أدائه في الملعب محط إعجاب الكثيرين من لاعبي ومحبي هذه الرياضة.
ذات مرة سأله الصحفي الرياضي «إيرا بيركوو» في أحد اللقاءات عن مهاراته وحرفيته الفائقة ومدى اعتماده على نظره الثاقب في الملعب، أو قدرته البدنية ومرونته في التقاط الكرة؟ وجاءت المفاجئة في رد ذلك الرياضي الشهير حيث قال ساخراً «ولا أي من ذلك. إنما هي التجربة والخطأ، ثم التجربة والخطأ، ثم التجربة والخطأ».
كان تيد وليامز يرى أن أي أسلوب، أو لنقل سياسة ما، تصبح بلا قيمة ما لم تحقق النتائج المرجوة منها على أرض الواقع. وأن الطريقة الوحيدة لمعرفة ما إذا كانت ستنجح بالفعل هي تجربتها بالفعل لتحديد ما إذا كان يمكن اعتمادها أم يجب البحث عن أسلوب بديل.
خلال أزمة كورونا التي يمر بها العالم، هناك الكثير من الآراء والتحليلات المتضاربة حول ما يخبئه المستقبل للعالم. فمثلاً، يتوقع الكاتب الاقتصادي مارك زاندي بأن «اقتصاد العالم سيستغرق سنوات عدة كي يصل إلى مرحلة التعافي الكامل». كما صرَّح الدكتور آنتوني فاوتشي، عضو فريق عمل البيت الأبيض لفيروس كورونا، في شهر مارس الماضي أنه وبالرغم من الإجراءات الاحترازية التي تتخذها أمريكا ومنها إجراء التباعد الاجتماعي، فإنه من المتوقع أن يتوفى قرابة الربع مليون أمريكي بسبب الإصابة بفيروس كورونا.
من ناحية أخرى صرَّح جارد كوشنر، المستشار بالبيت الأبيض وزوج ابنة الرئيس ترامب، بقوله «في اعتقادي إننا سنرى كثيرًا من الولايات تعود إلى الحياة الطبيعية بحلول شهر يونيو، على أن تعود الدولة لسابق عهدها كما كانت قبل أزمة الفيروس بحلول شهر يوليو، إذا ما سارت الأمور على النحو المأمول».
شخصياً، أميل إلى النظرة التشاؤمية للأمر، لأنه إذا كان هناك أي أمر مؤكد حول هذه الأزمة فهو وجود الكثير من الشكوك حولها. كما أن الخبراء والباحثين لا يزالون يعملون على فهم هذا الفيروس وكيفية محاربته.
من ناحية أخرى نجد أن الإدارة الأمريكية إضافة إلى بعض النواب الجمهوريين يميلون إلى إبراز الجانب المشرق من الأزمة. فحاكم ولاية جورجيا، براين كيمب، على سبيل المثال، اختار أن يعيد فتح الكنائس للصلاة وكذلك الأندية الرياضية وصالونات التجميل والمطاعم ودور السينما. واتبع حاكم ولاية تكساس جريج آبوت، السياسة نفسها بالسماح للمطاعم ومحلات التجزئة ودور السينما لاستئناف أعمالها.
والحقيقة أن مثل هذه القرارات سوف تثير إعجاب الكثير من المواطنين الذين احتشدوا بالمئات في مختلف الولايات للاحتجاج على قرارات البقاء في المنزل. إلا أن الاعتقاد بأن أحداً من هؤلاء السياسيين ورجال الأعمال يمكنهم استعادة الحالة الطبيعية التي كانت عليها ولاياتهم قبل الأزمة هو ضرب من ضروب الخيال. فالأمر في الحقيقة أصعب مما يتصورون.
حيث تتوقف النتائج المرجوة من هذه القرارات على الكثير من قرارات مئات الملايين من المواطنين الذين سيكون لهم تقييماتهم الخاصة لمدى المخاطرة والضرر الذي قد يتعرضون إليه مقابل الفائدة التي سيحصلون عليها من جراء الخروج من المنازل والعودة للحياة الطبيعية. من ناحية أخرى، علينا أن نعي أن قرارات البقاء في المنازل لم تكن هي السبب في الأزمة الاقتصادية التي نمر بها، ولكنها جائحة كورونا نفسها مع ما خلقته من حالة توتر وقلق على المستوى المحلى والعالمي على حد سواء.
بقد بدأت الإجراءات الاحترازية التي اتخذها حاكم ولاية جورجيا فقط في 19 من شهر مارس الماضي، بينما انخفضت نسبة الحجوزات في المطاعم في أتلانتا على سبيل المثال بنسبة كبيرة منذ بداية الشهر نفسه. والأمثلة كثيرة، حيث عانت دور السينما انخفاضاً كبيراً في مبيعاتها في عطلات نهاية الأسبوع ربما لم تشهده منذ 20 عاماً، وذلك قبل اتخاذ أي إجراءات احترازية بشكل رسمي. في النهاية بدأت الناس تأخذ احتياطاتها قبل أن يتسرب الخوف والقلق إلى كل أرجاء البلاد. وبالتالي فإن هذا السلوك الذي اتخذه الشعب من نفسه سوف يستمر حتى وإن سمح لهم رئيسهم أو حاكم ولايتهم بالخروج من المنازل والذهاب للتسوق وإنفاق أموالهم بشكل طبيعي.
وبالرغم من أن لا أحداً منا يفضل بقاء هذه الحالة من الانعزال في المنزل، لكن مشاهد الوفاة أو الإصابة بمرض في الرئة مخيف لدرجة لا تسمح لهم بالعودة والتمتع بحياتهم الطبيعية.
إلا إن ذلك لا يعني أيضاً أن قرارات حكام الولايات بالعودة للحياة الطبيعية هي قرارات خاطئة تماماً. فحتى مع تخفيف القرارات الاحترازية سيكون هناك الكثير من إجراءات السلامة التي يتعين على الأشخاص اتباعها كما يتعين على المنشآت مراقبة تطبيقها عن كثب مثل الالتزام بنسبة إشغال منخفضة في المطاعم والمحافظة على مسافات متباعدة بين العملاء والمتسوقين في المراكز التجارية وغير ذلك. ورغم أن هناك الكثير من المطاعم والمراكز سوف تستغل هذه الفرصة لتعود للعمل، إلا أن هناك منشآت أخرى سوف تبقى مترددة حيال اتخاذ هذه الخطوة التي قد تضر بمصالحهم أكثر مما تفيد في در القليل من الربح.
وعلى أية حال، فإن تنفيذ مختلف السياسات وتجربة العديد من المقترحات والحلول سوف يقلل كثيراً من الشكوك ويخفف الشعور بالحيرة والتخوف عند اتخاذ القرارات، رغم ما قد يحدثه ذلك من فوضى في البداية. في النهاية سوف يكتسب العالم خبرة جديدة في التعامل مع الأزمات.
** **
ستيف شابمان - شيكاجو تريبيون