نوف بنت عبدالله الحسين
أصعب شيء يفرض عليك، قالب أجبرت أن تكون داخل حدوده، فلا تستطيع أن تحطّمه، ولا أنت قادر على تقبّله، تلك قوالب جامدة، لا معنى لها سوى أن تحد من فضولك وإبداعك، أن تحد من طاقاتك، وتحد من كونك ذلك الذي يريد الانطلاق والتحليق، الأخطر، حين تستسلم لهذا القالب، مكره أخاك لا بطل.
تجلس مكتوف اليدين، تتأمل الأمر بصمت، دون أن يكون لديك أي مرونة حتى أن تعطي رأيك أو أن تتحدث عن معاناتك.
كثيرة هي القوالب المزعجة، كاتمة للأنفاس وللأصوات، قوالب اجتماعية، قوالب عائلية، قوالب تعليمية، وقوالب وظيفية، وأنت مجرّد عجينة تشكّلك على حسب هذه القوالب.
ومن أعقد هذه القوالب، قوالب الجيل، لا تستطيع أن تكون كما تحب، ما زالت قوالب الجيل الماضي من تبعات تمسك في تلابيبك، فلقد عشنا في جيل، يعمل ألف حساب لنظرة المجتمع ونظرة الوالدين ونظرة الأقارب، والآن باتت نظرة وسائل التواصل القاسية التي لا ترحم، قالب تنمّر لا ينتهي.
الشجعان هم من استطاعوا تجاوز كل هذه القوالب ولم يكترثوا، جعلوا من نضج خبرتهم وقوّة إرادتهم فؤوساً تحطّم تلك الأصنام.
التدرّج في كسر هذه القوالب، تأكل الكثير من الروح المتّقدة، تطفئ جذوة الشغف، وتدفع ثمن التمرّ على هذه القوالب، وحينها تختنق حتى لو حققت نتيجة.
الخوف أحد العوائق التي تجعل من تكسير القوالب معاناة أخرى، الخوف من نظرة الآخرين، الخوف من خذلان الآخرين، والخوف من الندم!
أحياناً تصاب بالحيرة، هل تتوقف عن المحاولة؟ هل تستمر في المقاومة؟ هل تحارب هذه القوالب؟ وهل تستطيع على ذلك؟ هذا الخنوع، وجلد الذات، والتبرير لقبول هذه القوالب، هي ما جعلت حياتنا تسيطر عليها القوالب.
مزعج جداً أن نتشابه مرغمين، نتشابه في قوالب لا تشبهنا! دائماً نعيش في قوالب لا تشبه شيئاً منّا.
السبب في ذلك، لأننا لا نتقبّل التغيير بسهولة، ولا نحترم قرار التغيير، وكأن التغيير يحتاج إلى الكثير من الموافقات والمباركات حتى يصبح سهلاً!
هناك قالب مخيف، قالب التواصل الاجتماعي، الذي دفن الكثير من المبدعين في مقبرة متعبة، قليلاً نرى من المشاهير من يدعم مبدعاً لإبداعه، لا يعيد له تغريدة، لا يشير إلى حسابه، لا يضع تعليقاً على صورة انستقرامية، مهما بلغ من إعجاب، فهو يحاربك في الخفاء، وبالتالي يقوم بتهميشك، ومن يشير إليك، فهو يشير إليك بثمن، يجب أن تكون في ظله مخفيًّا، ولا تحاول أن تجد منه دعماً أو مساندة من أجل أنك مبدع، لست سوى تهديد مزعج له، يخاف من أن تسرق ضوءه، انتبه من أصحاب الأعداد الكبيرة من المتابعين، هؤلاء يتجاهلونك بقصد وبدون قصد، فقد استولوا على نصيب الكعكة الأكبر، وأنت لك الفتات، ولا تحاول.
لا أحد يكترث لك، اذهب إلى القالب، وادفن نفسك به، وكان الله في عونك.