خلود العتيبي

مؤسسات الفكر Think Tank تطلق على المؤسسات التي تعمل على إعداد وتجميع البحوث العلمية حول القضايا المحلية والدولية المختلفة، حيث تهدف في المقام الأول إلى تمكين صانعي السياسات وأصحاب المصلحة والجمهور من اتخاذ قرارات مستنيرة وذلك من خلال تقديمها للبراهين العلمية وآراء الخبراء في الوقت المناسب، ومن خلال القنوات المناسبة وبلغة بسيطة وسهلة الفهم.

ووفقًا لتقرير الصادر من برنامج مؤسسات الفكر والمجتمعات المدنية التابع لجامعة بنسلفانيا، بلغ إجمالي مؤسسات الفكر في العالم في عام 2018م نحو 8.248 مؤسسة، 507 منها فقط إجمالي المؤسسات في الشرق الأوسط وإفريقيا الشمالية. حيث حظيت إسرائيل وإيران بأعلى نسبة بما يقارب 70 مؤسسة، تلاهما تركيا 48، ثم مصر 39، بينما احتضنت السعودية وسوريا 10 مؤسسات فقط، وجاء في آخر القائمة ليبيا وعمان بثلاث مؤسسات فقط. كما حصلت الولايات المتحدة على أول دولة تشمل على أكبر عدد من مؤسسات الفكر، 1872 مؤسسة.

ظهرت مؤسسات الفكر منذ القدم حيث كان لها دور حيوي أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها، في الواقع سميت Think Tank بهذا الاسم إشارة إلى الغرفة أو البيئة الآمنة التي كان يجتمع فيهاخبراء الدفاع والعسكريون لمناقشة إستراتيجية الحرب. مؤسسة بروكينغز، على سبيل المثال، واحدة من أشهر مؤسسات الفكر في العالم، كان لها دور ملموس خلال الحرب العالمية الثانية حيث إنها شاركت بطلب من الحكومة الأمريكية في إعداد خطة مارشل لإعادة اعمار أوروبا. وإشارة لمنظمة On Think Tank فإن طفرة عدد مؤسسات الفكر في العالم في السنوات الأخيرة جاءت نتيجة لعدة عوامل منها: التعقيد المتزايد للمشكلات التي تواجه المجتمعات، وتوافر الكوادر البشرية المؤهلة والشغوفة بإحداث تغيير، وارتفاع نسبة تمويل مؤسسات الفكر سواء من قبل الحكومات أو القطاعات الأخرى. مؤسسات الفكر مساهم نشط في دفع عجلة التنمية من خلال تحديدها للمشكلات الأكثر إلحاحًا في المجتمع والعمل مع جميع أصحاب المصلحة لايجاد الحلول، وتقديم التوصيات العلمية لصناع السياسات وذلك لتحقيق أهدافهم وفق خطى علمية مدروسة. ولكن في وقت الأزمات تكون الحاجة لها في أشد ذروتها نظرًا لتمتعها بعدة مميزات أهمها، تعددية المجالات، فمؤسسات الفكر تحتضن خبراء وبرامج بحثية في مجالات عدة، اقتصادية، وأمنية، وسياسية، واجتماعية، وصحية، وتعليمية، ولذلك تكون توصياتها ذات فاعلية عالية لأنها لم تقدم من زاوية محددة وروعي فيها الأثر أيًا كان سلبيًا أم إيجابيًا على المجالات الأخرى. كذلك تتميز مؤسسات الفكر بتبنيها لإستراتيجية تواصل فعالة، فهي لا تتبع نهج «مقاس واحد يناسب الجميع» لإيصال رسائلها، بل تكيف رسائلها لكل جمهور مستهدف، الذي سبق أن درست احتياجاته وتفضيلاته، وتعمل على إيصالها له بلغة مفهومة وفي الوقت المناسب له. ولا تزال مؤسسات الفكر الرائدة تمارس دورها في مساندة صانع القرار خلال الحروب والأزمات، من خلال الاطلاع السريع على جهود بعض أبرز مؤسسات الفكر العالمية في مواجهة جائحة كورونا (كوفيد -19)، كمؤسسة بروكينغز، وهيرتج، وانتربرايز الأمريكية، وسي دي هاو، وجدت العديد من الجهود المتنوعة.

على سبيل المثال لا الحصر، تكوين لجنة تضم كبار الخبراء من مختلف التخصصات، وأعضاء من القطاع الحكومي، ورجال الأعمال ومنظمات المجتمع المدني للعمل على التخفيف من حدة الأزمة، تكوين Crisis Groups بحيث تعمل كل جماعة على محور معين وتقدم التحليلات والتوصيات الملائمة، استشراف للمدن والمناطق ذات الضرر الأكبر من الأزمة، توقعات للتكلفة المادية من الأزمة، توصيات بشأن الفترات الملائمة للبدء في التخفيف من الاحترازات الوقائية، وإنشاء خريطة تفاعلية تحدث بشكل مستمر حول الجهود التي تقوم بها الحكومة وقيادة المقاطعات في كل مقاطعة خلال هذه الأزمة. في المملكة، لدينا العديد من مراكز البحوث المتخصصة ولكنها في الواقع تواجه العديد من العقبات التي تقف في طريقها للقيام بدورها على أكمل وجه في دعم اتخاذ القرار منها، ضعف التسويق وقلة الموارد البشرية والمالية وذلك وفقًا لدراسة نشرت في عام 2018م من قبل مركز البحوث والتواصل المعرفي، حيث شملت على 51 من مراكز البحوث في المملكة.

كما أنه لا يوجد لدينا أزمة عقول، فلدينا كوادر بشرية عالية الكفاءة، عدد منهم اتخذ تويتر منبرًا له لإيصال صوته، ولكننا بحاجة إلى هياكل مرنة «مؤسسات فكر» تضم هذه العقول وتفسح لها الطريق لملء الفراغات. ولتنجح هذه الهياكل في المملكة لا بد أن تستند على مبادئ تفعيل المعرفة الثلاث: المعرفة الموثوق بها والمصاغة بأسلوب سهل الفهم، تكوين العلاقات والحفاظ على الحوار المستمر مع جميع الأطراف، والقدرة الكافية لدى كل من صناع السياسات وأصحاب المصلحة والباحثين للتعاون معًا في خلق فرص لتطبيق المخرجات. يقول كابلان، الباحثون يركزون على المنطق والدقة والتكرار لأنهم عقلانيون وصناع القرار مدفوعون بالحدس والمفاوضات والتسويات لأنهم واقعيون. لذلك أفضل وأنجع القرارات هي تلك التي تكون عقلانية وواقعية، والجميل أن الوصول إليها لم يعد بالأمر الصعب.

** **

- رئيسة وحدة تمكين مجتمع البحوث في المركز الوطني للدراسات والبحوث الاجتماعي