ميسون أبو بكر
ذكريات مفرحة تلك التي أستعيدها كلما وقعت عيني على قصيدة أو عمل أدبي لمبدع، كنت التقيته أو استضفته في أحد برامجي. بهجتي تكبر كلما عانقت إنجازاتهم، وأبتهج بأنفاسهم، وأحمل من كل لقاء عبقًا لا يفتر في حدائق الذاكرة.
البرامج الثقافية ليست إعلامًا سهلاً. وحوار مثقف مبدع هو مغامرة كبيرة، تعلمت منها الكثير، وأضافت لحصيلتي في الإعلام الثقافي الذي تجاوز 1700 حلقة تلفزيونية؛ فقد كان يأخذ مني الإعداد للحلقة والتواصل مع الضيف وقتًا وافرًا لا يخلو من عذوبة رحلة الإعداد، والبحث، ومشقة توثيق المعلومة. كان اهتمامي بالإعداد والتحضير المسبق، ومهاتفة الضيف، يفوق اهتمامي بمظهري الخارجي إيمانًا مني بأهمية المحتوى الذي أقدمه، الذي أحترم فيه متابعيَّ الذين لم يكونوا من فئة المثقفين فقط (نظرًا للتوجه الثقافي للبرنامج)، بل من شرائح مختلفة، منها الشباب الذين يطربني قولهم ممن ألتقيتهم إنهم كانوا يحرصون على متابعتي.
كنت أحرص على استقبال يليق بضيوفي، وحفاوة ترضي غرور المبدعين. ولأنني أعرف مزاجية المبدعين لذلك قد أتوقع اعتذارًا مفاجئًا من بعضهم لتأجيل التصوير لموعد آخر مما من شأنه إرباك فريق العمل الذي سرعان ما كان ينهمك برحلة الترتيب مع ضيف بديل ومحاور جديدة.
أصبح للبرامج التلفزيونية اليوم نمط مختلف عما اعتدنا. والبرامج الثقافية بالذات فقدت المساحة التي تليق بحضورها ضمن الخطط البرامجية. الأعذار لغيابها واهية، منها أنها لا تناسب إيقاع العصر، وأنها عبء ثقيل على المشاهد؛ لذلك في ظل ما ذكرت، والتوجه البرامجي الجديد، فإننا نشتاق للإعلام الثقافي الحقيقي.
لعل البرامج الثقافية التي ما زالت تعرض منذ دورات عديدة على مدى سنوات كـ»روافد» مثلاً تؤكد أن ذائقة المجتمع بخير، وأن البرامج الثقافية لم تخسر جمهورها المخلص لها.
ما يدور اليوم من جدل ونقد للبرامج التي عرضت في رمضان يكشف الخلل في المحتوى، وفي غياب المثقف عن الإعلام، وعن صناعة المحتوى الإعلامي. كذلك في المسلسلات والأفلام التي كانت في السابق تستلهم مادتها من قصص من الأدب، وروايات مهمة، واليوم تشبه الوجبات السريعة.
سنعلل أنفسنا دومًا بأن الثقافة ركيزة الحياة، وهي زادنا وزوادنا، والإعلام هو القناة التي يلج من خلالها مثقفونا للمجتمع الذي لا بد أن ينتصر لكنزه الثمين من عمالقة زرعوا بذور فكرهم فيه، وتركوا سوانح ذكرياتهم تمايس ذائقتنا.