تعيش الدول عبر تاريخها في تحديات مستمرة ومتواصلة، تواجه وتتعامل معها وفق ما تقتضيه إمكاناتها ورؤيتها واستراتيجياتها..
الأزمات أكبر أنواع التحديات وأصعبها مواجهة. ففيها تتشكل شخصية كل دولة من حيث القوة والضعف..
ونحن نعيش الآن في أوج أزمة صحية عالمية غير مسبوقة covid-19 وصلت تداعياتها إلى شتى أرجاء المعمورة تم تصنيفها من قبل أعلى مرجع صحي في العالم «منظمة الصحة العالمية» بأنها جائحة والجائحة تعني الوباء المنتشر بسرعة في مساحات كبيرة..
هذه الأزمة تختلف عن جميع الأزمات التي مرت بها دول العالم، فلم يكن لها مقدمات أو مؤشرات، بل اجتاحت الدول بسرعة مذهلة خلال أسابيع قليلة، فأصبحت تسابق الزمن للحيلولة دون الإضرار بها، وهذا التسابق جعل هذه الدول تتمايز فيما بينها، وفيها برزت دولة على السطح وضعت لنفسها مكاناً بارزاً يليق بما قدمته بهذه الأزمة فكانت هي الدولة الأميز والأنجح تعاملاً مع هذه الجائحة وهي المملكة العربية السعودية..
جاء تميز المملكة لثلاثة أسباب رئيسية:
الأول: عملت بمبادئها وقيمها المنطلقة من الشريعة الإسلامية بأن جعلت الإنسان وأمنه الصحي على رأس أولوياتها.
الثاني: الوضوح والشفافية المطلقة في التعاطي مع هذه الأزمة.
الثالث: الإرث المتراكم من النجاحات في إدارة الأزمات المختلفة عبر تاريخها.
فقد شاهد العالم أجمع القمة الاستثنائية لقادة مجموعة دول العشرين G20 التي استضافتها المملكة عبر الشبكة الافتراضية وفيها دعا الملك سلمان بن عبد العزيز هذه الدول إلى تعزيز التعاون المشترك في تمويل الأبحاث للوصول إلى لقاح مضاد لفيروس كورونا المستجد وإلى اتخاذ إجراءات حازمة لمحاربة الفيروس، وكان أن تعهد زعماء المجموعة خلال هذا الاجتماع إلى ضخ مبلغ 5 تريليونات دولار للحد من آثار هذا الوباء.. ولم تكتف جهود المملكة بهذه القمة بل تعدتها بأن شاركت مؤخرا على رأس تحالف عالمي أطلقته منظمة الصحة العالمية للتعاون على تسريع لقاح لمواجهة هذا الوباء.
* * *
ومنذ اليوم الأول الذي استشعرت فيه المملكة خطر هذه الجائحة عملت بمنهجية واضحة فلم تتعثر أو تتأثر أو ترتبك بل اعتمدت استراتيجية تتمثل في خطط التنبؤ الوقائي واستشعار الأزمة قبل وقوعها، بأن وظفت كل مالديها من إمكانيات بشرية ومادية، فقد وضعت كل شيء في موضعه ورتبت أولوياتها وحددت المهام لكل الأطراف العاملة مما جعل العمل يسير بشكل انسيابي متناسق.
وحيث ظهر قائد هذه البلاد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أمام شعبه متحدثاً بكل شفافية ووضوح حديث القائد المؤمن بالله ثم بقدرات ومقدرات بلاده في مواجهة هذه الجائحة مطمئناً شعبه وشاداً من أزرهم وداعماً لهم ومعلناً بذل الغالي والرخيص في سبيل الحفاظ على صحة المواطنين.
وسبق أن قامت المملكة في بادئ الأمر بكل قوة وحزم إلى إصدار حزمة من القرارات الاحترازية ضمنت محاصرة الوباء في أضيق آفاقه.. وعملت مؤسسات الدولة باستراتيجية موحدة ممثلة في وزارة الصحة والتجارة والشؤون البلدية ووزارة التعليم إضافة إلى النيابة العامة وبقية الأجهزة الأمنية الأخرى كفريق واحد متناسق..
كانت أول القرارات التي اتخذتها الدولة - بتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان - بعد ترتيب الأوضاع ووضع الاستراتيجيات الهامة هي تعليق الدخول للبلاد لأغراض العمرة ولزيارة المسجد النبوي الشريف، ثم توالت بعدها القرارات اللاحقة مثل تعليق الدراسة ومنع التجول وإغلاق المساجد حتى وصلت الإجراءات مؤخراً إلى مرحلة «المسح الميداني النشط» الذي يتم فيه فحص المناطق عالية الخطورة أو الأماكن عالية الكثافة السكانية التي تم فيها تقييم ما يفوق المليون حالة للمواطنين والمقيمين عبر المسح حيث كانت خطوة استباقية ناجحة في محاصرة هذا الوباء
كل هذه الجهود والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة فإنها لم تغفل جوانب عجلة الحياة وضمان استمراريتها بكل انسيابية، فلمثل هذه الأزمة تداعيات كثيرة لها أبعاد عديدة سواء اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية أو إنسانية، فقد عملت الدولة على جميع التوازنات وعدم إغفال جانب عن جانب من خلال ضمانات تهيئ الحياة الكريمة المستقرة للمواطنين والمقيمين على حد سواء..
فقد ضمنت سلامة المجتمع الصحية بأن حظرت التجول الجزئي ثم الكلي وضمنت سلامة الاقتصاد الوطني بأن دعمت القطاع الخاص بالمليارات وتكفلت بدفع 60% من رواتب موظفي القطاع الخاص السعوديين.
وضمنت الحياة المعيشية بأن وفرت جميع السلع الاستهلاكية وبفائض كبير، علاوة على أنها قامت بإرسال سلال غذائية مجانية للسكان مواطنين ومقيمين أياً كانت إقامتهم، وضمنت استمرار التعليم بعد تعليق الدراسة بأن أقرت وزارة التعليم خطة لمواصلة الطلاب دروسهم عبر منهجية «التعليم عن بعد» عن طريق قنوات تعليمية مباشرة وفرت فيها كامل الترتيبات ليصبح فصلاً افتراضياً وكأن الطلاب يحضرون هذه الدروس مباشرة، فقد تسابق المعلمون في تقديم وتسجيل الحصص الافتراضية عبر تقديم أكثر من 13 ألف درس تعليمي عن طريق استوديوهات مجهزة لمثل هذه الحصص فكأن الطلاب لم يغيبوا. مما بعث الراحة والاطمئنان في نفوسهم ونفوس آبائهم.
وضمنت سلامة أبنائها المبتعثين بأن خيرتهم بالعودة إلى الوطن بكل يسر وسهولة عبر إجراءات تتخذها لسلامتهم وسلامة المجتمع.
وضمنت سلامة الوافد وعاملته معاملة المواطن بل تعدى ذلك إلى أن عاملت مخالف الإقامة معاملة إنسانية مبدية أولوية اهتمامها بصحته.
وضمنت قضاء حاجات وأعمال من شملهم حظر التجول بأن فعلت ودعمت المنصات والتطبيقات الإلكترونية فأصبح الفرد يقضي أعماله من خلال المنصات الرقمية بدلاً من الخروج من منزله لقضائها.
كل هذه الضمانات المتعددة أضفت حياة إنسانية كريمة للمواطن والمقيم كانت حديث العالم بأسره مشرقه ومغربه..
وبما أن الأزمات تصنع وتظهر معادن الرجال فها هو الشعب السعودي يثبت مراراً وتكراراً أنه على قدر عال من المسؤولية بتلاحمه مع قيادته وبامتثاله للقرارات الحكومية وتطبيقها فكان مستوى الوعي والحرص على سلامته وسلامة وطنه مضرب مثل للشعوب الأخرى.
فسبحانك ربي..
كأن الله ساق هذه الأزمة لتثبت المملكة العربية السعودية للعالم أجمع أنها الدولة الأولى بالعناية بحقوق الإنسان وأنها تستحق بامتياز لقب «مملكة الإنسانية» ومالحديث السفير الأمريكي في المملكة الذي طالب أبناء وطنه المقيمين على الأراضي السعودية بالبقاء في المملكة لتوفر الحياة المعيشية الكريمة مع هذه الأزمة، بالإضافة إلى الإشادات الدولية من هنا وهناك وعلى رأسها شكر مدير منظمة الأمم المتحدة الدائم للمملكة على جهودها ودعمها للعالم في محاربة هذه الجائحة.
وكأن الله ساق هذه الأزمة لتثبت للعالم أنها أبعد الدول عن المشاكل السياسية والدخول في صراعات.. فقد نأت بنفسها عن المماحكات والمناورات والمهاترات التي تتواجد في مثل هذه الظروف بأن تفرغت وكرست جهودها للأهم فنجحت.
وأخيراً..
كأن الله ساق هذه الأزمة لتثبت المملكة العربية السعودية دوماً وأبداً قدرتها على مواجهة جميع أنواع الأزمات بكل ثقة وثبات وتوازن على مر عصورها وتوالي حكامها.
وكان من أكبر الدروس والعبر التي تبعث على الفخر والاعتزاز أن هذه الأزمة قد أديرت بفضل من الله بأيد سعودية 100%، أياد فكرت وخططت ورسمت وعملت وبالأخير نجحت بامتياز.