مها محمد الشريف
عندما تبدأ المؤشرات الخطيرة في الظهور داخل المجتمعات، تبدو خطيرة لأنها تهدِّد تركيبة النسيج الاقتصادي الآمن، وكذلك التغييرات المفاجئة في التركيبة الاستهلاكية وإخضاع كثير من التصرفات للمحاسبة والمراجعة، فثمة احتمال كبير جداً يلامس الإدراك بأن كثيراً قد يواجه أسئلة يعجز عن الإجابة عنها، ويقدم على خيارات يجهل عواقبها، فيترك الأمر دون إدارة وتحكم، في ظل انتشار جائحة كورونا التي حلَّت بالعالم.
ومواجهة خطر هذه الأزمة العالمية، ويمكن الحديث عن الآثار المعوقة الناتجة عنها، والصعوبات والخسائر الفادحة التي تسببت بها، ورغم ذلك انطلقت من خلالها مُكونات المجتمع في تحديد الأولويات مُعتمدة في ذلك على تجارب البلدان التي فتك بها الفيروس وأصبحت الأوضاع فيها شبه مشلولة، لتصحح الخطأ في الإجراءات والجهود المبذولة لتطويق الأزمة.
بالتحديد فإن الفرد يعيش مجموعة من الظروف المصممة خصيصاً لسلوكيات جديدة يحتاج لها في مكانته الطارئة بعد جائحة كورونا، لذا عندما يأتي الوقت المناسب وعودة الأيام إلى سالف عهدها يشعر وكأنه ولد من جديد، قد تطول أو تقصر العزلة، ويمكن القول إن بناء الأنفس المتأثرة من المتغيِّرات غير المتوقّعة أو المفاجأة متاح أو يظل في سلسلة التحولات العادية.
وهكذا اعتبر العالم أن انتشار المرض بحد ذاته يثير المخاوف، حيث استعصى على العلاج ولا يزال العمل جارياً على اكتشاف المزيد من العقاقير والتجارب السريرية، وقد ظهرت تقنيات متقدِّمة تتيح تركيب الفيروسات في المختبرات لاختراع علاج لمقاومة العدوى الفيروسية، وتستعمل في الخير أو تستخدم في الشر كأسلحة بيولوجية.
لهذا، تسبّب فيروس كورونا المُستَجد في تغيير سلوك المستهلك واهتماماته وتحدد بشكل كبير على السلع الأساسية، وتصحيح مفاهيم المستهلك بحرصه على التوفير والادخار، والبعد قدر الإمكان عن المصاريف العشوائية وإدارة الأزمة واللجوء إلى التخطيط المالي والإنفاق، وانخفضت كثير من العادات اليومية عبر تطبيقات التوصيل وارتياد المطاعم واقتناء كل جديد من الأجهزة الإليكترونية والهواتف الذكية، ولا سيما أن الناس يعانون أساساً من هوس التقنية، ولكن الأغلبية تغيَّرت برامجها وسلوكياتها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
فهل سيتغيَّر سلوك المجتمع بعد زوال الجائحة، ويتحوَّل إلى عقل اقتصادي يقيس الأمور بالأرقام، يجب ألا ننسى أن جائحة كورونا لها تأثير كبير على المسار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وقد ساهم ذلك في توعية الناس وهو ما يجعلنا نعتقد أن مهمتها فقط هي المراقبة لتغيير عاداتنا الاستهلاكية، لم يكن للجائحة تأثير من حيث العلاقات الخارجية فقط بين البلدان، بل تباعد المجتمع المحلي بصورة لافتة، وقد حاولت الدول المُتضرِّرة من الفيروس أن تلجأ إلى جميع الأساليب المُمكنة لتوعية المواطنين بخطورته، ونشر أساليب التَّوعية والتعريف بالوباء ثم إلى الحَجْرِ الصِّحي والعِقاب للمخالفين، فما الذي قد نواجهه اليوم؟ هل كسب العصر الرهان بأننا لن نتغيّر أو خسره بنجاح معظمنا في تغيير سلوكه؟
في حقيقة الأمر فإن التأثير الاقتصادي الفوري للجائحة بدأ واضحاً مما ساهم في وضع خطة طوارئ عالمية وتقنية تحديد الأهداف، والإفصاح عن النوايا، وتفعيل الإجراءات الاحترازية والتضامنية التي من شأنها حماية الاقتصادات من الأضرار المحتملة وما يستطيع العالم أن يفعل إزاء ذلك، بل حيال الأمر كله.