د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
في أوائل التسعينيّات الهجريّة نظم النادي العربي في عنيزة نشاطا ثقافيّا فريدا، فاستقطب بعض الكبار، وفيهم الدكاترة: غازي القصيبي ومحمد عبده يماني وحسين الجزائري، ولم يكونوا وقتها وزراء، مثلما استضاف آخرين في حجمهم كالدكتور رضا عبيد، وما تزال الذاكرة الثقافية تحفظ لإدارة النادي عنايتها بجماهير لا يصفقون طويلا، ولا يصرخون قليلا ولا كثيرا، ولا يقومون من مقاعدهم انتظارا لهدف أو احتفاء بآخر، ومن المؤكد أن أندية في مدنٍ أخرى أنجزت أفضل، ولأنه وعى هذه صغيرا فقد ظل حفيّا بها، ولم يتح له عمره متابعة ما نأى عن محيط مدينته.
** امتلأ مقرّ النادي، وتجاور عدد الواقفين مع أعداد الجالسين، وكانت نقلة نوعية في الأنشطة الثقافية للأندية الرياضية لم تتكرر بذلك الوهج فيما يعلمه، وظل استفهام: «أين الأندية من مهامها الثقافية» غير ذي معنى، فالظنّ أنها أقحمت فيه وليس لها أو منها، وكل هذا غير مهم، فالأهم هو أن الأندية الأدبية حلت محلها منذ منتصف التسعينيات الهجرية، وأوجدت حركة ثقافية نشطة ارتكزت على جناحي النشر و»المنبر»، وهو موضوع هذه المقالة.
** مضى الزمن رخاء، وانضمت إلى الأندية دورات مهرجان الجنادرية ومعارض الكتب ومنتديات الجامعات، وتزامنت الحداثة والصحوة فصارت عناوين صراعاتها جاذبة للجماهير كي يروا مبارياتٍ ومدرجاتٍ تشبه مباريات ومدرجات كرة القدم، وفيها زعيق وضجيج، يحمد الله أنه لم يرتدْ واحدة منها، بل إن حضوره لمشاهدة المباريات الكروية وتمارينها كان أكبر، وأيقن أن ما انجرّتْ إليه الأنشطة المنبرية حينها لم يتجاوز تأجيج المشاعر وتكثيف التباعد ورمي الاتهامات وتقسيم ما لا يجوز أن ينقسم.
** بين «قبض الريح» و»حصاد الهشيم» - كما أسمى كتابيه المازنيّ - مضت حقبة تقاصر إثرها النشاط الأدبي التقليدي متزامنا مع صعود الوسائط الرقمية، وشكت المنابر الثقافية عزوف من هي ملزمة باستضافتهم مع يقينٍ من مسؤوليها بأنها لم تعد ذات قيمة توازي ما يبذل من أجلها، وكتب وحكى صاحبكم منذ سنوات عن موت الأنشطة المنبرية وضرورة التفكير في بدائل عنها حتى جاء ظرف الوباء والحظر فالتفت المنبريون القدامى إلى المنبر التقني الجديد، وبدأت التجارب تزداد في مساره، وصار متابعوه بالآلاف وكانوا قبلها ببعض العشرات، وعلموا يقينا أنهم سيوفرون جهودا وأموالا وعناء بتبني الثقافة «البعديّة»، فلا سفر بأعبائه ولا سكن بمتطلباته ولا حرج مع ضيف ذي قامة لا يجد في القاعة غير مجلس الإدارة وبضعة منتدين.
** الحديث هنا من واقع تجربة شخصية قريبة في نشاطين مع مكتبة الملك عبدالعزيز العامة ونادي الأحساء الأدبي تابعهما أكثر من عشرة آلاف، ولو كانا حضوريين لما بلغ العدد فيهما مئة، فهل آن أن تكبّر الأندية أربعا على المنبر التقليدي وتوجه إمكاناتها للمنبر التقني وفق معايير فنيةٍ دقيقةٍ، وحين يدور الزمن بما يجدّ سيتجددون معه.
** التقنية لا تستأذن.