يقول المولى عز وجل {وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وقال سبحانه {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} فنسأل الله أن يكون ما أصاب الأمة ابتلاء فيه رحمة لا عذاب بعده خسران، يقول الشيخ ابن باز -رحمه الله-: «الله يبتلي عباده بالسراء والضراء وبالشدة والرخاء، وقد يبتليهم بها لرفع درجاتهم وإعلاء ذكرهم ومضاعفة حسناتهم كما يفعل بالأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- والصلحاء من عباد الله، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل»، وتارة يفعل ذلك سبحانه بسبب المعاصي والذنوب، فتكون العقوبة معجلة كما قال سبحانه: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} - قلت: والعجب العجاب من حال المؤمن أن الأمر سواء كان بلاء أم عذاباً فهو له رحمة بفضل الله-، ولنكمل مع كلام الإمام بن باز إذ يقول: «الحاصل أنه قد يكون البلاء لرفع الدرجات وإعظام الأجور كما يفعل الله بالأنبياء وبعض الأخيار، وقد يكون لتكفير السيئات كما في قوله تعالى: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- «ما أصاب المسلم من هم ولا غم ولا نصب ولا وصب ولا حزن ولا أذى إلا كفر الله به من خطاياه حتى الشوكة يشاكها»، وقوله- صلى الله عليه وسلم- «من يرد الله به خيرا يصب منه»، وقد يكون ذلك عقوبة معجلة بسبب المعاصي وعدم المبادرة للتوبة كما في الحديث عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه قال «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة» (مجموع الفتاوى4/371)، فالحمد لله على الإيمان والحمد لله على الإسلام والحمد لله على نعمة تكفير السيئات ورفع الدرجات، فلا قنوط ولا يأس، فالمؤمن بين خيرين في كلا الحالين، وهما يدعوانه للتوبة والأوبة وإكثار الذكر والاستغفار والبر والإحسان والعمل الصالح، وإذ ربنا يقول {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} فالمؤمن الحق تكون له الآيات تخويفاً إيجابياً لا منفراً أو باعثاً للوقوع فريسة القلق الممرض وربما الهرب إلى الهاوية بالغفلة، بل تخويفاً يدفع المؤمن لمحاسبة نفسه ومعرفة موقعه من القرب من ربه، فيزداد من الأعمال ما يقربه إليه ويرضيه، ويتخلص من كل ما يسخطه ويبعده عنه، ليكون بمأمن من عابه في هذه الحياة وفي حياة البرزخ ويوم الدين، ومع هذه الحال سيكون وقوع الآفات بركات عليه لا محالة إذ فيها نذارة له وتنبيهات ستجعله يهرب من سابق حاله إلى أصلح منها، فتدفعه نحو ربه بالفرار إليه من كل بلاء: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} هرباً من عقابه إلى رحمته بالإيمان به، واتباع أمره، والعمل بطاعته، وهكذا كان حال المؤمنين الأولين من المهاجرين والأنصار -رضي الله عنهم- كما حكى عنهم الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود- رضي الله عنه- أنه قال -لما سمع بخسف-: كنا أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم- نعد الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفا، قال في توضيح ذلك الإمام الطحاوي:ـ: أنا كنا نعدها بركة؛ لأنا نخاف بها فنزداد إيماناً وعملاً، فيكون ذلك لنا بركة، وأنتم تعدونها تخويفاً ولا تعملون معها عملاً، يكون لكم به بركة، فإذن لنترجم تفكيرنا بما يحدث إلى ما يكفر الله به سيئاتنا من التوبة إليه كما قال تعالى: ({إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} {وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} جعلني الله وإياكم من التائبين الصالحين المؤمنين المحسنين اللَّهُمَّ أنتَ رَبُّنا، لا إلَهَ إلاَّ أنتَ، خَلَقتَنا ونحنُ عَبيدُكَ، ونحنُ عَلَى عَهدِكَ ووَعدِكَ ما استَطَعنا، نَعوذُ بِكَ مِن شَرِّ ما صَنَعنا، نَبوءُ لَكَ بِنِعمَتِكَ عَلَينا ونَبوءُ بِذُنوبِنا، فاغفِرْ لَنا؛ فَإنَّهُ لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلاَّ أنتَ. اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار.
** **
- المدير العام السابق لفرع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمنطقة الشرقية