محمد سليمان العنقري
مما لا شك فيه أن الأضرار الاقتصادية التي لحقت بالعالم كبيرة جداً واقتصاد المملكة مرتبط بالاقتصاد العالمي وبالتأكيد هناك أضرار طالت قطاعات عديدة فيه، وقد واجهت الدولة هذه التداعيات مبكراً بحزم عديدة شملت تفاصيل عديدة وفاقت بحجمها 200 مليار ريال، وبكل تأكيد هناك أيضاً خطط تحوط تأخذ بالحسبان أصعب السيناريوهات المحتملة في حال امتدت الأزمة لفترة طويلة، فالمُخطط لابد أن يأخذ بعين الاعتبار أسوأ الاحتمالات في ظل هذه الظروف غير المسبوقة والتي لا يمكن وضع توقع دقيق لنهايتها، ولكن التخطيط والاستعداد لا ينطبق على الحكومات فقط بل يشمل المنشآت وحتى الأفراد حتى يكون التحوط ملائماً لأكثر الاحتمالات سوءًا.
فالإجراءات التي اتخذت من قبل الدولة ستسهم كثيراً بحماية الاقتصاد الوطني، والقطاع الخاص من أكبر المستفيدين منها لأن أغلبها موجهة له بسبب الإغلاق الكبير الذي واكب إجراءات مواجهة كبح انتشار الوباء، لكن بالمقابل فإن القطاع الخاص عليه أيضاً دور ومسؤوليات كبيرة بقراءة هذه الأزمة جيداً وتحديد تبعاتها على الاقتصاد الكلي والجزئي خصوصاً المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتحديداً التي لديها ضعف بخبرة إدارة الأزمات أو ليس لديها الهيكلة الإدارية الناضجة للوقوف على كافة تفاصيل التداعيات المحتملة مستقبلاً بعد انتهاء هذه الأزمة، فلا يمكن أن تكون أوضاع هذه المنشآت كما كانت عليه قبل الأزمة، وعليها أن تحدد بواطن الضعف فيها لتعالجها وأن تضع خطة مستقبلية تتناسب مع المرحلة القادمة التي يفترض أن تكون حساباتهم قامت على أنه لن يكون انطلاق الاقتصاد للآفاق المرجوة سهلاً أو سريعاً بل يجب الذهاب لأبعد من ذلك والنظر لنوعية الأعمال التي تقوم بها كل منشأة هل تتناسب مع المرحلة القادمة؟ فقد فُرضت تغيرات كبيرة خلال هذه الفترة من بينها العمل عن بُعد والتوسع باستخدام التقنية الحديثة التي ستكون بكل تأكيد حاضرة في كثير من أعمال المنشآت كبيرها وصغيرها.
فمواجهة تداعيات هذه الأزمة غير المسبوقة تتطلب تفكيراً غير تقليدي واتخاذ قرارات ذات بعد استراتيجي يضمن مستقبل المنشأة من حيث الهيكلة التنظيمية والإدارية، والاهتمام بدور إدارات المخاطر، وتعزيز مفهوم التعامل مع الأزمات بمختلف مستوياتها، والتحوط الدائم وتغيير بآليات العمل لاستخدام التقنيات الحديثة لتحسين الإنتاجية ورفع نسب التوطين، فهذه الأزمة أظهرت الكثير من بواطن الضعف بالمنشآت ويتطلب ذلك تطويراً شاملاً بالفكر الإداري لقطاع الأعمال، ومن المهم أن تتبنى الجامعات دراسات متعددة الجوانب عن قطاع الأعمال بهذه الأزمة، ولتكن برعاية وتمويل من جهات حكومية عديدة مثل وزارة التجارة والاستثمار وكذلك الصناعة وأي جهة ذات علاقة كهيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، فالدروس المستفادة ستكون عاملاً مهماً لتطوير الأعمال وبمثابة بنك معلومات لكل منشأة تبحث عن النهوض بأعمالها لتدخل القرن الحالي بعصر ما بعد كورونا.
قراءة هذه الأزمة وتحديد ما يجب عمله من قبل القطاع الخاص خصوصاً المنشآت التي تأثرت بشدة هو العامل الحاسم لبناء مستقبلهم والخروج بأقوى ما يمكن ليكون لهم حصة كبيرة من النشاط الذي يعملون به، فإذا تم التفكير من قبل قطاع الأعمال بأن ما قدم لهم من دعم رسمي هو السبيل لبقائهم بالسوق فإن ذلك لن يكون مجدياً على المدى المتوسط والطويل إذا لم تستفد هذه المنشآت من دروس هذه الأزمة وتعالج أي خلل وبواطن ضعف لديها، فالمسؤولية مشتركة بمواجهة هذه الأزمة والدروس والعبر التي خلفتها كبيرة والفرص للنهوض والنمو في المستقبل ستكون أكبر، فبعد الأزمات الاقتصادية تبدأ دورة نمو طويلة وتحقق معدلات عالية بالنشاط الاقتصادي، ولذلك الاستعداد لتلك المرحلة يبدأ من الوقت الحاضر.