رمضان جريدي العنزي
للتستر أنواع وأشكال ووجوه متعددة وروائح نتنه وقبيحة وتزكم الأنوف، وألوانها رمادية وسوداء وباهتة، ولها قصص وحكايات غير مشوقة وغير بليغة، ولها دسائس ومؤامرات وخبث أعمال، إن الخيانة صفة ترتعد منها الفرائض، تكسر القلب، وتوهن الروح، والخائن يستمري الخيانة، لهذا نراه يخون مرات ومرات، لأن سيكيولوجية الخائن تنازعه الرغبة الهشة لبيع الضمير والوطن مقابل أثمان رخيصة وزهيدة، ومن أجل مصلحة شخصية بحتة، وأطماع ذاتية عابرة، أن الخائن دائمًا في موضع تحقير من كل من تأنف نفسه هذا الفعل الرديء، نابليون بونابرت الإمبراطور الفرنسي خاض معارك عديدة بشرف الفارس ونبل الإمبراطور إلى أن استعصت عليه النمسا وخرج منها بهزيمة فادحة في معركة آسبرن التي خاضتها جيوشه ضد الجيوش النمساوية، وذلك بسبب وعورة المنافذ الجبلية، فبّدل الإمبراطور من خططه النزالية إلى خطط استخبارية، وأمر جنوده بالبحث عن جاسوس يساعدهم على اقتحام المنطقة.
وبعد أن طال البحث واشتدت مرارة الهزيمة هيأ لهم القدر خائنًا بامتياز وهو رجل نمساوي يشتغل بالتهريب، ويعرف الحلقة الأضعف في الحدود النمساوية، فدل الجيوش الفرنسية إلى الطريق المثالي لاقتحام المنطقة التي لم تكن محصنة إلا بجيش من كبار السن ينقصه العتاد والعدة لكونهم يرابطون في منطقة قل من يستطيع الوصول إليها، كانت هذه الخيانة والمعلومات الذهبية مقابل حفنة من المال، وعندما تم النصر لنابليون، بفضل هذه المعلومة القيمة، أراد ذلك الدليل مصافحة الإمبراطور نابليون بونابرت الذي رفض مصافحته وألقى إليه صرة من المال قائلاً: «يد الإمبراطور لا تصافح الخونة»، وإزاء استغراب جنوده من تصرفه قال لهم: «الخائن لوطنه كالسارق مال والده ليطعم به اللصوص، فوالده لن يسامحه واللصوص لن تشكره»، أن - التستر - بكل أنواعه وأشكاله وتنوعاته المخالف للقوانين والأنظمة والتعليمات يعد خيانه وطنية كبرى لا تغتفر، وما نراه ونشاهده في واقع الحال من استقدام العمالة وتركها ترتع في البلد حيث تشاء وتنتقل وتريد، وما نراه أيضًا ونشاهده ونحياه من منح العامل السجل التجاري أو رخصة المحل ليعمل باسم الكفيل السعودي الذي يرضى بالشيء الهين الزهيد والقليل شهريًا، بينما العامل يكسب عشرات أو مئات الألوف من الريالات شهريًا يرسلها فورًا لبلده دون أن يخدم وطننا أو يفيده بأي شيء، والشواهد حيه ومعاشه وكثيرة، أن أزمة كورونا قد كشفت لنا الأغطية عن كثير من المخفي، فالغش والفساد من قبل بعض العمالة الوافدة قد ظهر وبان، لقد استغلوا كثيرًا من الأشياء بينما الكفيل السعودي لا يهمه ذلك الأمر بقدر ما يهمه القبض والمادة، أن السعودي المتستر مواطن سلبي ينخر في اقتصاد الوطن ومقدراته من أجل مصالح شخصية بحتة، ويكسر القواعد والأنظمة والأحكام من أجل ذلك، وعلى الرغم من أن وزارة التجارة تسعى في جهد ملموس إلى توعية المواطن بأضرار التستر على الوطن اقتصاديًا واجتماعيًا عن طريق الندوات والتشهير بالمتستر عليه في الصحف المحلية ليكون رادعًا إلا هذه لم تؤت ثمارها، حيث إن العمالة الأجنبية المتستر عليها في ازدياد كل عام، وانتشرت المحلات التجارية الصغيرة بأسماء مواطنيين على «لوحة المحل» كما توسعت هذه العمالة في إنشاء المحلات التجارية الكبيرة بأسماء مواطنين سعوديين، ويشغل وظائفها عمالة أجنبية، أن المتستر عليه وبتواطؤ من المستر تمادى بأعماله المخالفة واستمر في استنزف الموارد الاقتصادية وتحويلها للخارج، وعليه وبناء على هذه الجريمة الكبرى نرى أن يكون التالي:
- وجوب تفعيل نظام التستر التجاري بقوة القانون وبلا هوادة.
- تقوية الجهاز الرقابي وتزويده بالكفاءات المدربة.
- معاقبة المتستر والمتستر عليه بأقصى العقوبات الفورية دون تردد أو تلكؤ.
- تنمية الانتماء الوطني لدى المواطن وإفهامه بأن ما يقوم به أمر خطير ويضر بالاقتصاد الوطني.
- تكثيف شعار «لا للتستر التجاري» من خلال حملات إعلانية مركزة ودائمة في جميع الوسائل ومنصات التواصل الاجتماعي.
- إلزام المؤسسات والشركات فورًا بعدم توظيف العمالة في الأعمال الإدارية والمحاسبية والتقنية.
- سعودة النشطات التجارية ومنع العمالة منعًا باتًا من العمل في التموينات الكبيرة والصغيرة.
- الترحيل الفوري للعمالة السائبة وتحميل كفلائهم قيمة الترحيل ومعاقبة الكفيل ومضاعفة العقوبة.
أن كل مواطن يحب وطنه لا بد أن يفتديه ويعمل بالأنظمة والتعليمات واللوائح والقوانين حفاظًا عليه وعلى اقتصاده ونفعًا للأجيال القادمة، وعليه أن يستشعر خطر التستر الذي أصبح يهدد الاقتصاد الوطني والحركة التجارية من عمالة متستر عليها ومواطن يمارس التستر، يجب أن نكون جميعًا يدا واحدة ومواطنيين أمناء، نحفظ بلدنا من عبث العابثين والمستهترين بالأنظمة والمتسترين.