علي الخزيم
لا يستغرب المتأمل لتعاملنا هنا بمملكة الحزم والإنسانية الراقية ما يلقاه الإخوة المقيمون بكل طبقاتهم ودرجات أعمالهم وجنسياتهم؛ فالمبادرات التي أطلقها ودعا إليها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده -حفظهما الله- بهذا الشأن لا تميِّز بينهم بالتعامل؛ كل له قدره وقيمته بوصفه إنسانًا أمام هذه الجائحة الوبائية؛ فهي تعاليم ديننا الإسلامي التي توجهنا لهذه الأعمال الراقية، ولا ننظر لمن يعد تلك طيبة زائدة إن لم يصنفها بالسذاجة وخلل بالتدبير؛ فهذا شأنه؛ فحين نلتزم قيادة وشعبًا بما تمليه علينا شريعتنا السمحة فإننا لا ننتظر تقييم هذا وذاك، ونترك المستهزئين -مع تسابقهم للاستفادة من هذه الخدمات الجليلة- نتركهم ليتعلموا الدروس الإنسانية من بلد الإسلام النقي الطاهر بتوفيق الله.
ليس هذا وحسب! بل إن بين هؤلاء، ومن كل الطبقات، من لم يكتفوا بالاستفادة من الخدمات المجانية الشاملة في هذه الظروف الاستثنائية، والاستهزاء بها؛ فقد انكشف منهم فئات استغلت الأوضاع، وعمدت للعبث والإفساد من خلال التزوير حتى بتصاريح التنقل، والغش بالمواد المتعلقة بالتعقيم والنظافة والاحترازات الصحية، كذلك السرقة من المستودعات والبيع بطرق مخالفة، وبأسعار خيالية، ومنهم مَن بالغ بالاستظراف والتذاكي؛ ففتحوا عيادات خفية بين العمائر السكنية، يدعون فيها إعطاء عقاقير بالحقن والمغذيات للوقاية من الوباء، وعمد آخرون لما يرون أنه أبعد عن الكشف والفضيحة؛ فصاروا يتجولون بين تجمعات العمالة بحقائبهم الطبية المزيفة، ويقدمون الخدمة ذاتها بمبالغ مرتفعة، ويخدعون البسطاء بألاعيبهم وتقمصهم شخصيات أطباء متمكنين، ومثلهم الحلاقون الجائلون، ووقع بعضهم بيد اللجان الرقابية المختصة. والأرجح أن من المتذاكين من لا يزال يمارس غيه وتهوره (المهم المال)؛ فهي بنظرهم فرص لن تتكرر، ثم إنهم يرون أنهم بمأمن طالما أنهم يحولون ما يجنونه من أموال لبلادهم مباشرة، وأن مدخراتهم قد بلغت أرقامًا لم يكونوا يحلمون بها في حياتهم قبل قدومهم للمملكة؛ ولذلك فهذه من المسائل التي أرى أنه يجب النظر لها بعين متأملة فاحصة؛ فخطرهم قد تزايد.
كما نرى ونسمع أن لجانًا شعبية وغيرها من الجمعيات تجهز سلال الغذاء للأسر المحتاجة دون تفرقة، وهو أمر طيب إذا ما تم التأكد من الفئة المعوزة، غير أن كثيرًا من هذه التبرعات العينية - كما يشاع - تذهب لتلك العمالة المفسدة العابثة، وهذا ما يزيد سخريتهم! فكلما أمعنا بإكرامهم يبالغون باستغلالنا والعبث ببلادنا بالتزوير والغش والتدليس والإفساد بكل اتجاه.
أوضاع العمالة المعاشة مع الفيروس، والظروف المصاحبة له، تنبه إلى أخطاء جسام فيما يتعلق بالصحة العامة والبيئة، وما تمارسه المؤسسات الصغيرة تجاه العمالة، وردود الأفعال العكسية من هذه العمالة تجاه الكفلاء وتجاه المجتمع كله، وانحراف ضعيفي الأنفس ومَن هم بالأساس من العمالة الرديئة، بل من أسوأ أصناف العمالة بالكرة الأرضية، إلى أعمال مخالفة للأنظمة والقوانين المرعية، وبحجج واهية، كالادعاء أنهم لا يجدون من الكفلاء الرعاية المناسبة. وبرأيي، إن جشعهم وقلة وعيهم يدفعانهم للأسوأ كلما وجدوا فرصة وطريقًا لممارسة العبث والفساد. وهي نقاط ملحة؛ تحتاج لدراسة وإجراءات جادة.